روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضمن حديث طويل:” إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر.

هذا الحديث يبيِّن فضل العلماء، توضيحًا لقوله تعالى:( يَرْفَعُ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والذِينَ أُوتوا العِلْمَ دَرجاتٍ) (سورة المجادلة : 11) فهم الوارثون لما تركه الرسول، لأنه القائل:” بلِّغوا عني ولو آية ” رواه البخاري، والقائل في طلاب العلم:” مَن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة” كما رواه مسلم، والقائل:” إن الملائكة لَتَضعُ أجنحتَها لطالب العلم رِضًا بما يصنعُ” كما رواه أحمد وابن حبان والحاكم، والقائل:” يا أبا ذَرٍّ لأن تغدوَ فتتَعلّم بابًا من العلم، عمل به أو لم يعمل خير لكَ من أنْ تصلِّي ألفَ ركعةٍ” كما رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

وأشرف العلم ما كان متصلاً بالقرآن ففي حديث البخاري ومسلم:” خيركم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه” لأنّه يُرشد إلى كل العلوم النافعة في الدين والدُّنيا، ففي آياته قوله تعالى:( ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا ألوانُها ومِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُها وغَرابِيبُ سُودٌ ومِنَ النّاسِ والدّوابِّ والأنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَمَاءُ ) (سورة فاطر : 27 ، 28)

فالذين يخشَون الله هم علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض، وعلماء الإنسان تاريخًا ونفسًا وطبًّا وكل ما يتصل به، وعلماء الحيوان كذلك بكل ما يتصل به، وذلك إذا درسوا بتعمُّق، وإنصاف وقصد حسن. إنهم بِوصولهم إلى سِرِّ الخلق سيؤمنون أو يزدادون إيمانًا، وسيفيدون أنفسهم والناس جميعًا بجهودهم .
ومن أراد أن ينشرح صدره بمعرفة الإسلام من العلم بفروعه المختلفة فليرجع إلى” إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي، وسيهتف من أعماق قلبه أن هذا الدين هو دين الحضارة الصحيحة، الصالح لكل زمان ومكان، وذلك بالفهم الواعي والتطبيق الصحيح.