يقول بعض الناس الهدية لا تهدى ولا تباع، هذه المقولة غير صحيحة شرعا، و يجوز لمن أهدي إليه شيء أن يتصرف فيه كيفما شاء ولا حرج عليه.
يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة- أستاذ الفقه وأصوله- جامعة القدس – فلسطين – :
الهدية ما يتحف الإنسان به غيره على سبيل التودد والإعظام كما قال تعالى في قصة ملكة سبأ :( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ) سورة النمل الآية 35 .
ويقرب من معنى الهدية الهبة .
والتهادي مشروع وقد دلت على ذلك كثير من الأدلة فمن ذلك ما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها ) رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :( لو أهـديـت إلـيَّ ذراع لقبـلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت ) رواه البخاري ، والكراع ما دون الركبة إلى الساق من نحو شاة أو بقرة .
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال :( تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن ) رواه الترمذي وصحح الجزري إسناده . المرقاة 6/215 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :( تهادوا تحابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في السنن وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 6/44 .
وعن عائشة :( أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله ﷺ ) رواه البخاري .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال :( أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي ﷺ إقطاً وسمناً وأضباً فأكل النبي ﷺ من الإقط والسمن وترك الأضب تقذراً ، قال ابن عباس : فأكل على مائدة رسول الله ﷺ ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله ﷺ ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ كان رسول الله ﷺ يقبل الهدية وندب أمته إليها وفيه الأسوة الحسنة به ﷺ ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة على ما جاء في حديث مالك وغيره مما في معناه … عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال : ( تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور )
ولقد أحسن القائل :
هـدايا الناس بعضهـم لبعـض تولـد في قلوبهـم الوصـالا
وتزرع في الضميـر هوى ووداً وتكسوهم إذا حضروا جمـالاً
{ فتح المالك بتبويب التمهيد على موطأ مالك 9/358-359} .
إذا تقرر هذا فنعود إلى العبارة المتداولة بين الناس وهي قولهم ” الهدية لا تباع ولا توهب ” أو ” الهدية لا تهدى ولا تباع ” ، فهذه العبارة غير صححية شرعاً لأن الهدية إذا استقرت في ملك المهدى له فقد صار حرّ التصرف فيها فيجوز له أن يتصرف بها كما يتصرف في حرّ ماله فله أن يبيعها أو يهديها لغيره أو يتصدق بها ونحو ذلك من التصرفات .
ومما يدل على جواز تصرف المهدى إليه في الهدية بجميع أنواع التصرفات الشرعية ما ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه :( أن النبي ﷺ أتي بلحم تصدق به على بريرة – وهي مولاة عائشة – فقال : هو عليها صدقة وهو لنا هدية ) رواه البخاري ومسلم .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه يؤخذ من الحديث أن الهدية تملك بوضعها في بيت المهدى له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول وأن لمن تصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما يشاء . فتح الباري 11/334 .
وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه لهذا الحديث بقوله ” باب إذا تحولت الصدقة ” وقال الإمام العيني في شرحه لعنوان الباب :[ أي هذا باب يذكر فيه إذا تحولت الصدقة يعني إذا خرجت من كونها صدقة بأن دخلت في ملك المتصدق عليه ] عمدة القاري 6/550 . وذكر الإمام البخاري حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قال :( دخل النبي ﷺ على عائشة رضي الله عنها فقال : هل عندكم شيء ؟ فقالت : لا إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة – وهي أم عطية – من الشاة التي بعثت بها من الصدقة . فقال : إنها قد بلغت محلها ). قال الإمام العيني :[ وفيه – أي الحديث السابق – دليل على تحويل الصدقة إلى هدية لأنه لما كان يجوز التصرف للمتصدق عليه فيها بالبيع والهبة لصحة ملكه لها حكم لها بحكم الهبة ] عمدة القاري 6/551 .
وبناء على ما سبق فيجوز لمن أهدي إليه شيء أن يتصرف فيه كيفما شاء ولا حرج عليه في ذلك .