الأضحية سنة في الأمة من عهد إبراهيم عليه السلام إلى عهد محمد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا،وأصلها  أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام امتحنه الله فأمره بذبح ابنه بكره إسماعيل عليه الصلاة والسلام ليخلص قلبه لمحبته سبحانه دون محبة غيره جل وعلا، وكان إبراهيم هو خليل الله عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الناس في زمانه، وهو أفضل الخلق بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فلما أراد ذبحه وتله للجبين ولم يبق إلا أن يوهي بالسكين إلى حلقه رحمه الله ورحم ابنه ورفع عنهما هذا الأمر وفداه بذبح عظيم وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:109-111].

حكم التصرف بالأضحية من حيث الإهداء والأكل:

يجوز الأكل من الأضحية والإهداء للغير منها ، وقد استحب العلماء أن يوزعها أثلاثا ثلث لأهل بيته وثلث يتصدق به ، وثلث لأقاربه .وأجاز كثير من الفقهاء أن يُطعم منها أهل الذمة.

يقول الدكتور حسام الدين موسى عفانة أستاذ مشارك كلية الدعوة و أصول الدين ـ جامعة القدس ـ فلسطين:

قال أهل العلم يكون التصرف بالأضحية بالأكل والصدقة والهدية وتفصيل ذلك كما يلي : ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب.

وقد استدلوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي –  – قال :( … فكلوا وادخروا وتصدقوا ) متفق عليه .

وما ورد في حديث جابر – رضي الله عنه – أنه عليه الصلاة والسلام قال :( … كلوا وتزودوا ) رواه البخاري ومسلم . وفي رواية أخرى عند مسلم : ( … كلوا وتزودوا وادخروا ).

وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب ، لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة .

قال الحافظ ابن عبد البر : وأما قوله :( فكلوا وتصدقوا وادخروا ) فكلام خرج بلفظ الأمر ، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي ، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب  .

وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة : يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها . ولو أكل أكثر من الثلث جاز .

وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله –  – :( كلوا وتصدقوا وأطعموا ).

واحتج ابن قدامة المقدسي بما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنه – في صفة أضحية النبي –  – قال : ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤَّال بالثلث  رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال : حديث حسن .

وقالوا لأنه قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة في المغني.

ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً لقول الله تعالى في الهدايا : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) سورة الحج الآية 36 . وأما الإمام مالك فلم يحدد في ذلك شيئاً ويقول : يأكل ويتصدق .

والدليل على أنه لا تحديد في المسألة بل الأمر على الاستحباب حديث ثوبان – رضي الله عنه – قال :( ذبح رسول الله –  – ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية . قال : فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) رواه مسلم .

ماذا يستحب لمن أراد أن يضحي:

ويستحب لمن أراد أن يضحي في يوم الأضحى أن يخرج إلى صلاة العيد ولا يأكل شيئاً حتى يصلي ثم يذبح أضحيته فيأكل منها وهذا قول أكثر العلماء .

قال الشيخ ابن قدامة : … ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي وهذا قول أكثر أهل العلم منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافاً  .

ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه – قال : ( كان النبي –  – لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ) رواه الترمذي ، ثم قال : وقد استحب قوم من أهل العلم أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئاً ويستحب له أن يفطر على تمر ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع . والحديث رواه أيضاً ابن ماجة وابن حبان وقال الشيخ الألباني : صحيح .

والحكمة في امتناع النبي –  – عن الأكل قبل الصلاة يوم الأضحى هي : ليكون أول ما يطعم من لحم أضحيته فيكون مبنياً على امتثال الأمر  .

وقال الإمام أحمد : والأضحى لا يأكل فيها حتى يرجع إذا كان له ذبح لأن النبي –  – أكل من ذبيحته وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل  .

وقال الشعبي : إن من السنة أن تطعم يوم الفطر قبل أن تغدو ، وأن تؤخر الطعام يوم النحر حتى ترجع  .

وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل المصلى ولا يفعلون ذلك يوم النحر  .
وأما التصدق منها فقال الحنفية والمالكية إن التصدق من الأضحية مندوب وليس بواجب . وحجتهم ما سبق في الأكل من الأضحية وهو أرجح أقوال العلماء في المسألة .

ويتصدق منها على المسلمين من الفقراء والمحتاجين ويهدي إلى الأقارب والأصدقاء والجيران وإن كانوا أغنياء .

هل يجوز إعطاء أهل الذمة من الأضحية:

ونقل النووي عن ابن المنذر قوله : أجمعت الأمة على جواز إطعام فقراء المسلمين من الأضحية واختلفوا في إطعام فقراء أهل الذمة فرخص فيه الحسن البصري، وأبو حنيفة وأبو ثور .

وقال مالك : غيرهم أحب إلينا . وكره مالك أيضاً إعطاء النصراني جلد الأضحية أو شيئاً من لحمها . وكرهه الليث قال : فإن طبخ لحماً فلا بأس بأكل الذمي مع المسلمين منه .

ثم قال النووي : ومقتضى المذهب أنه يجوز إطعامهم من ضحية التطوع دون الواجبة  .

وقال الشيخ ابن قدامة : ويجوز أن يطعم منها كافراً وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي … لأنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمي كسائر الأطعمة ولأنه صدقة تطوع فجاز إطعامها للذمي والأسير كسائر صدقة التطوع  .

والراجح من أقوال العلماء أنه يجوز إطعام أهل الذمة منها ، وخاصةً إن كانوا فقراء أو جيراناً للمضحي أو قرابته أو تأليفاً لقلوبهم .

حكم الإهداء من الأضحية :

أما الهدية من الأضحية فقد اتفق أهل العلم على أن الهدية من الأضحية مندوبة . وكثير من العلماء يرون أن يهدي ثلثاً منها كما مرَّ في حديث ابن عباس فإنه يجعل الأضحية أثلاثاً ثلث لأهل البيت وثلث صدقة وثلث هدية .

ونقل هذا عن ابن مسعود وابن عمر وعطاء وإسحاق وأحمد وهو أحد قولي الشافعي .

ويسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والإهداء وأن يجعل ذلك أثلاثاً وإذا أكل البعض وتصدق بالبعض فله ثواب الأضحية بالكل والتصدق بالبعض .

ا