لا تعارض بين الحديث والواقع ، فتصفيد الشياطين وتقييدهم لا يستلزم امتناع وقوع المعاصي ، فالنفوس تأمر بالسوء ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) ، وتصفيد الشياطين يضعفهم ولا يمنع إغواءهم للبشر كليةً.
يقول الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا-رحمه الله تعالى-:
روى البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين “.
وروى ابن خزيمة في صحيحه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ” إذا كان أول ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّـدت الشياطين ومردة الجن “.
ومع هذا فإن الواقع يشهد بأن المعاصي ما زالت ترتكب في رمضان، وفي غير رمضان، ومن أجل التوفيق بين الحديث الثابت، وبين الواقع المشاهد، قال الشرّاح: إن المراد بتقييد الشياطين في رمضان عدم تسلطها على من يصومون صوما صحيحاً كاملًا روعيت فيه كل الآداب التي منها: عفة اللسان والنظر والجوارح عن المعصية.
واستجابةً للحديث الذي رواه البخاري: ” من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجةٌ في أن يدع ـ يترك ـ طعامه وشرابه “.
أو المراد بالشياطين التي تصفد: المردة والجبابرة منهم. كما في رواية ابن خزيمة.
أما غيرهم فلا يقيدون، ولذلك تقع من الناس بعض المعاصي.
أو المراد أن الشياطين كلها تغل بمعنى: يضعف نشاطها، ولا تكون بالقوة التي عليها بدون أغلال وقيود.
أو المراد أن المعاصي التي تكون بسبب الشياطين تمنع ، ولكن تقع المعاصي التي يكون سببها النفوس الخبيثة الأمارة بالسوء، أو العادات القبيحة، أو شياطين الإنس.
ومن هنا نرى أن الحديث لا يصطدم مع الواقع عند فهمه فهماً صحيحاً ، وذلك ما نحب أن نلفت الأنظار إليه في فهم نصوص الدين ؛ حتى لا تكون هناك ريبة في الدين أو انحراف في الفكر والسلوك.