إن تسامح الإسلام مع أهل الكتاب ليس معناه أنه يقرهم على كفرهم ، فإن ما يتدين به أهل الكتاب هو الكفر الصريح.

ولكن التسامح المطلوب هو عدم معاقبتهم في الدنيا على كفرهم هذا، وتركهم وما يدينون طالما أن كلمة الإسلام هي العليا ، وأن نتركهم لحساب الله يوم القيامة مع إيماننا بأنهم على الضلال المبين.

الدعوة إلى الإسلام:

هذه العقيدة هي التي تدفع المسلم أن يدعوا مخالفيه إلى الإسلام ليستنقذهم من النار، ويسوقهم إلى الجنة ، دعوة كريمة بالحسنى والقول اللين ، فالمسلم لا يبتغي من إيمانهم سوى إنقاذهم من النار، ولذلك كان النبي يصدر دعوته لملوكهم بقوله : ” أسلم تسلم ” أي أنني أدعوك للإسلام لتسلم من عقاب الله غدا.

فالطفل المسلم، سيتفطر قلبه على مصير أمه الذي يعلمه من عقيدتها ؛ لذلك لن يألو جهدا في دعوتها إلى الإسلام ، وإذا لم تصنع فإن ذلك لن يحرمها حقوقها كأم، فليس من شعائرنا تجاه أهل الكتاب غير الحربيين أن نبصق في وجوههم مثلا ، أو ننناديهم بما يؤذيهم.

ولهذه العقيدة التي توقفنا منهم هذا الموقف السمح منطلقات كثيرة.

تسامح المسلمين مع مخالفيهم:

يقول الشيخ يوسف القرضاوي :

أساس النظرة المتسامحة التي تسود المسلمين في معاملة مخالفيهم في الدين يرجع إلى الأفكار والحقائق الناصعة التي غرسها الإسلام في عقول المسلمين وقلوبهم، وأهمها:
اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان، أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه. قال تعالى: (ولقد كَرَّمْنا بني آدم) (الإسراء: 70) وهذه الكـرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية.
ومن الأمثلة العملية ما ذكرناه من قبل، وهو ما رواه البخاري عن جابر بن عبد اللّه: أن جنازة مرت على النبي -- فقام لها واقفًا، فقيل له: يا رسول اللّه إنها جنازة يهودي ! فقال: “أليست نفسا؟!”.بلى ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكان، فما أروع الموقف، وما أروع التفسير والتعليل !

اعتقاد المسلم أن اخـتلاف الناس في الدين واقع بمشيـئة اللّه تـعالى، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاخـتيار فيما يفعل ويدع : (فمن شـاء فليؤمن ومـن شاء فليكفر) (الكهف: 29). ـ (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). (هود: 118).
والمسلم يوقن أن مشيئة اللّه لا راد لها ولا معقب، كما أنه لا يشاء ما فيه الخير والحكمة، علم الناس ذلك أو جهلوه، ولهذا لا يفكر المسلم يومًا أن يجبر الناس ليصيروا كلهم مسلمين، كيف وقد قال اللّه تعالى لرسوله الكريم.
(ولو شـاء ربك لآمن من في الأرض كلهـم جميعًا أفأنت تكـره الناس حتى يكونوا مؤمنين). (يونس: 99).

إن المسلم ليس مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم، أو يعاقب الضالين على ضلالهم، فهذا ليس إليه، وليس موعده هذه الدنيا، إنما حسابهم إلى اللّه في يوم الحساب، وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين، قال تعالى : (وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون.. اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) (الحج: 68،69) وقال يخاطب رسوله في شأن أهل الكتاب : (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب وأمرت لأعدل بينكم اللّه ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير). (الشورى: 15).
وبهذا يستريح ضمير المسلم، ولا يجد في نفسه أي أثر للصراع بين اعتقاده بكفر الكافر، وبين مطالبته ببره والإقساط إليه، وإقراره على ما يراه من دين واعتقاد.

4 ـ إيمان المسلم بأن اللّه يأمر بالعدل، ويحب القسط، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ولو مع المشركين، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين، ولو كان الظلم من مسلم لكافر. قال تعالى : (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). (المائدة: 8).
وقال -- : “دعوة المظلوم ـ وإن كان كافرًا ـ ليس دونها حجاب” (رواه أحمد في مسنده).
إن سماحة الإسلام مع غير المسلمين سماحة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، وخصوصًا إذا كانوا أهل كتاب، وبالأخص إذا كانوا مواطنين في دار الإسلام، ولا سيما إذا استعربوا وتكلموا بلغة القرآن.