لم يبح الإسلام للزوج أن يتبرأ ممن يولد على فراشه إلا في حالتين :-
الحالة الأولى:- إذا تيقن من زنا زوجته في طهر لم يمسسها فيه، ثم اعتزلها فلم يقربها فجاءت بولد بعد ستة أشهر فهنا يلزم الزوج أن يتبرأ من هذا الولد حتى لا يضيف إلى نسبه من ليس منه .
الحالة الثانية:- إذا قوي ظنه، ولم يصل إلى درجة اليقين بأن الولد ليس ولده. أما في حالات الشك والارتياب فلا يجوز نفي النسب .
فالإسلام لا يَقبل أن يُضيف الإنسان إلى نفسه مَنْ ليس مِنْ نَسَبِه، كما لا يُجيز أبدًا أن يَنتفِيَ الإنسان من نَسَبٍ ثابت، وأن ينفي الأب نسب ابن منه بغير حق؛ ولذلك نجد الفقهاء قالوا: لا يجوز لرجل أن ينفي نَسَبَ ولده إلا إذا رأى امرأته تزني في طهر لم يَمَسَّها فيه، واعتزلها حتى ولدت بعد ذلك بستة أشهر أو أكثر .
في هذه الحالة يجوز له ـ بل قالوا يجب عليه ـ أن يَنفيه، لماذا؟ خشية أن تترتب عليه أحكام أخرى مثل:-
1ـ أنه يَرِثُ وهو لا يَستحق الميراث .
2ـ أن يَحجُب مَنْ يَستَحق الميراث .
3ـ أن ينظر إلى مَحارم ليسوا بمَحارَمَ له، فينظر إلى زوجة مُتبنِّيه على أنها أمه، ويُقبِّلها ويُعانِقها وهي أجنبية عنه، ويَنظر إلى بنات الرجل على أنهن أخواته وهن غريبات عنه، وإلى أخواته على أنهن عمّاته وهنَّ لسنَ كذلك في الحقيقية، وإذا كانت المُتبناة بنتًا ستُعامِل الرجل على أنه أبوها وهو أجنبيّ منها، يَحِلُّ له أن يَتزوجها، وكذلك أبناؤه على أنهم إخوة لها وليسوا كذلك، وإلى إخوانه على أنهم أعمام لها، وليسوا بأعمام .
فمن أجل هذا قالوا: يجب عليه أن ينفيه إذا تَيَقّن أنه ليس ولده .
وأحيانًا قالوا: إذا كان هناك ظَنٌّ راجح يقوم مقام التحقيق واليقين ـ كأن رآها تزني في طُهْر مَسَّها فيه وجاءت بولد شبيهٍ بالزاني، أو كان الرجل عقيمًا ثابتَ العُقم لا يُنجِب ـ يجوز له أن يَنفيه .
في الحالة الأولى يجب عليه أن يَنفيه، وفي الحالة الثانية يجوز له أن ينفيه .
جاء في “مطالب النُّهى شرح غاية المُنتهى” من كتب الحنابلة: يَلزمُه نفي الولد في حالتين : –
1ـ إن رآها تزني في طُهْر لم يَمسَّها فيه، فيَعتزلها ثم تَلِدُ ما يمكن كونه من الزاني، فيلزمه حينئذ قَذْفُها ونَفْيه باللِّعان، لجريان ذلك مجرى اليقين في أن الولد من الزاني… وإن لم يَنْفِ الولدَ لَحِقَه وورِثَه وورِثَ أقاربه ووَرِثُوا منه، ونَظَر إلى بناته وأخواته ونحوهن، وذلك لا يَجوز، فوَجَبَ نَفْيُه إزالةً لذلك؛ ولحَديث “أيَّما امرأةٍ أَدْخَلَتْ على قوم مَنْ ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يُدخِلَها اللهُ جنته، وأيَّما رجلٍ جَحَدَ ولدَه وهو يَنظر إليه احتجب الله عنه وخَصَمَه على رؤوس الأولين والآخرين” رواه أبو داود .
وقوله: “وهو ينظر إليه” يَعني: يرى الولد منه، فكما حَرَّم على المرأة أن تُدخِل على قوم مَنْ ليس منهم، فالرجل مثلُها .
2-وكذلك إنْ رآها تَزني في طُهْر وَطِئها فيه، وقَوِيَ في ظَنِّه أن الولد من الزاني لشَبَهِهِ به، ونحو ذلك كأن يكون الزوج عقيمًا؛ لأن ذلك ـ مع تحقيق الزنى ـ دليل أنه الولد مِنْ نَهْرِ الزاني؛ ولقيام غَلَبةِ الظن مقام التحقيق “مطالب أُولي النُّهى شرح غاية المنتهى: 6/198)
أما غير هذا فلا يجوز أن يَنفي الولد؛ لأنَّ نفيَه إضاعة له، كما لا يجوز له أنْ يَنسِبَ أحدًا إليه بغير حق؛ لأنه تزوير في أمر خطير، وهذا هو التبنِّي الذي حَرَّمه الله ورسوله، وأجمعتِ الأمة .