هذا يعرف ببيع المرابحة للآمر بالشراء ، وهو جائز بشروط ، خلاصتها أن يتولى البنك الشراء بنفسه ، ثم يبيعها لشخص بسعر مقسط أعلى ، ومعنى ذلك أن البنك هو الذي سيقوم بالشراء طبقا للطلب الذي سيقدمه للشخص ، ولا يجوز أن يقوم الشخص بنفسه بالشراء ، ثم إذا اشترى البنك البضاعة يخبر الشخص أنه اشتراها ، ومن ثم يبيعها له … ولا بد من سير الأمر بهذه الخطوات.

وكون البائع يعرض سعرين ، واحدا للنقد وآخر للتقسيط أمر جائز بشرط أن ينصرف المشتري على اختيار أحد النظامين.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا هذه المسألة في صورة مثال عملي :-

لابد من تصور المسألة تصويراً مبسطاً في صورة واقعة عملية ، ليمكن إصدار الحكم فيها بعد تصورها .

ذهب زيد من الناس إلى المصرف الإسلامي و قال له أنا صاحب مستشفى لعلاج أمراض القلب ، و أريد شراء أجهزة حديثة متطورة لإجراء الجراحات القلبية ، من الشركة الفلانية بألمانيا أو بالولايات المتحدة .

و ليس معي الآن ثمنها ، أو معي جزء منه و لا أريد أن ألجأ إلى البنوك الربوية لأستلف عن طريقها ما أريد و أدفع الفائدة المقررة المحرمة ، فهل يستطيع المصرف الإسلامي أن يساعدني في هذا الأمر دون أن أتورط في الربا ؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن أدفع له الثمن بعد مدة محددة ، فأستفيد بتشغيل مستشفاي ، و يستفيد بتشغيل ماله ، و يستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون ؟

قال مسئول المصرف : نعم يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الأجهزة بالمواصفات التي تحددها ، و من الجهة آلتي تعيَّنها ، على أن تربحه فيها مقداراً معيناً أو نسبة معينة ، و تدفع في الأجل المحدد ، و لكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة و يحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله ، حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل ، فكل ما بين المصرف و بينك الآن تواعد على البيع بعد تملك السلعة و حيازتها .

قال العميل : المصرف إذن هو المسئول عن شراء الأجهزة المطلوبة و دفع ثمنها و نقلها و شحنها ، و تحمل مخاطرها ، فإذا هلكت هلكت على ضمانه و تحت مسئوليته ، و إذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة الرد بالعيب ، كما هو مقرر شرعاً .

قال المسئول : نعم بكل تأكيد . و لكن الذي يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ، و يجيبك إلى طلبك بشراء الأجهزة المطلوبة ، فإذا تم شراؤها و إحضارها ، أخلفت وعدك معه . و هنا قد لا يجد المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة من يحتاج إليها ، أو قد لا يبيعها إلا بعد مدة طويلة ، و في هذا تعطيل للمال ، و إضرار بالمساهمين والمستثمرين الذين ائتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لأموالهم .

قال العميل صاحب المستشفى : إن المسلم إذا وعد لم يخلف ، و أنا مستعد أن أكتب على نفسي تعهداً بشراء الأجهزة بعد حضورها بالثمن المتفق عليه الذي هو ثمن الشراء مع المصاريف و الربح المسمى مقداراً أو نسبة كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي ، لكن ما يضمن لي ألا يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر ، أو غلت السلعة المطلوبة في السوق غلاء بيناً ؟

قال المسئول : المصرف أيضاً ملتزم بوعده ، و مستعد لكتابة تعهد بهذا ، و تحمل نتيجة أي نكول منه .

قال العميل : اتفقنا .

قال المسئول : إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا ، في صورة طلب رغبة و وعد منك بشراء المطلوب ، و وعد من المصرف بالبيع . فإذا تملك المصرف السلعة و حازها وقعنا عقداً آخر بالبيع على أساس الاتفاق السابق .

هذه هي الصورة التي اشتهر تسميتها باسم (بيع المرابحة للآمر بالشراء ) و هي التي ثار حولها الجدل ، و كثر القيل و القال .

و هذه الصورة إذا حللناها إلى عناصرها الأولية ، نجدها مركبة من وعدين : وعد بالشراء من العميل الذي يطلق عليه : الآمر بالشراء . و وعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة ( أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول ، أو الثمن و الكلفة ) و هذا هو المقصود بكلمة المرابحة هنا .

و قد اختار المصرف و العميل كلاهما الالتزام بالوعد ، و تحمل نتائج النكول عنه . كما تتضمن الصورة : أن الثمن الذي اتفق عليه بين المصرف والعميل ثمن مؤجل ، والغالب أن يراعى في تقدير الثمن مدة الأجل ،كما يفعل ذلك كل من يبيع بالأجل .

هذه هي عناصر العملية التي اشتهرت باسم “بيع المرابحة” ، وأنا لا أقف عند التسمية كثيراً ؛ لأنه لا عبرة بالأسماء إذا وضحت المسميات ، فمن حقنا أن نطلق عليها إن شئنا اسماً جديداً، و أن نعتبرها بمجموع عناصرها صورة جديدة من معاملات هذا العصر فهي ليست أكثر من مُوَاعَدَة على البيع لأجل معلوم ، بثمن محدد ، هو ثمن الشراء مضافاً إليه ربح معلوم ، تزيد نسبته أو مقداره عادة كلما طال الأجل . و لكنه ثمن معلوم من أول الأمر .

فماذا ينكر من هذه العملية آلتي أقرتها هيئات الرقابة الشرعية لأكثر من بنك إسلامي ، و أقرها كذلك مؤتمران للمصارف الإسلامية، و صدر بها أكثر من فتوى مكتوبة ؟

ثم نقل الدكتور يوسف القرضاوي الفتوى التي أجازت المسألة :-

ـ فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت (جمادى الآخرة 1403 هـ ، مارس1983 م )

اجتمع هذا المؤتمر في مدينة الكويت بتاريخ 6-8 جمادى الآخرة 1403 هـ الموافق 21-23 مارس سنة 1983 م ، و شاركت فيه اثنتا عشرة مؤسسة مالية إسلامية و حضره عدد من كبار العلماء ، و قدمت فيه مجموعة من الأبحاث ، وبعد مناقشتها و اجتماع لجنة العلماء المحكمين ، صدرت عن المؤتمر عدة توصيات ، يتعلق بموضوعنا منها التوصيتان : الثامنة و التاسعة و نصهما:

يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة و حيازتها ، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق ، هو أمر جائز شرعاً ، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم ، و تبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي .

و أما بالنسبة للوعد و كونه ملزماً للآمر أو للمصرف أو كليهما ، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل و استقرار المعاملات ، و فيه مراعاة لمصلح المصرف و العميل . و إن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا ، و كل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه .

ويرى المؤتمر أن الأخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط ألا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بمقدار الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول – أي الرجوع -.

انتهى كلام الشيخ ملخصا من كتاب المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية.

ويقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي:

في جواب على سؤال مماثل: 

إذا كان البنك يشتري الأرض بناءً على طلبك ثم يقوم ببيعها لك بسعر يزيد على سعر الشراء، وتقسط المبلغ عليك، فهذا جائز لا ريب فيه عندنا، وهو المسمى ببيع المرابحة المركبة: أو بيع المرابحة للآمر بالشراء، ودليل جوازها:

1- أنها بيع فيه إيجاب وقبول داخل في عموم قوله تعالى : “وأحل الله البيع وحرم الربا” (البقرة:275).

2- قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: “إذا أَرى الرجلُ الرجلَ سلعة، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز..”.

3- أن المعاملات المالية مبنية على مراعاة المصالح ، والتيسير على الناس من غير ظلم أو ربا أو غش ، وهذه المعاملة من هذا القبيل .

وأما القول بأن البنك لم يشترها له، وإنما اشتراها ليبيعها، للراغب في شرائها، وعليه يكون حيلة للربا، وهو المسمى عند الفقهاء “بيع العينة” فهذا مردود: بأن البنك يشتريها لنفسه وتكون في ضمانه، وعليه تلفها. والأهم من هذا، وهو الذي يبعدها عن الربا، أن قصد البنك والعميل ليس بيع دنانير بدنانير، كما هو في بيع العينة، فإن الأرض بينهما.

وأما الزيادة في مقابل الأجل، أو البيع بالتقسيط، فإن الزيادة من أجل الأجل جائزة شرعاً، قال بجوازها الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم “أمر عبد الله بن عمر أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل. (السنن الكبرى للبيهقي 5/287).

ولما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: “اشترى من يهودي طعاماً بنسيئة” أخرجه البخاري، أي : بزيادة. ولذا قال الإمام ابن تيمية بجواز البيع بالتقسيط، فالمسلمون لا يزالون يستعملون مثل هذه المعاملة، وهو كالإجماع منهم على جوازها. (مجموع الفتاوى 29/499).

ويكفي السائل لذهاب شكه والرد على من منع بيع المرابحة أن المذاهب الأربعة قالت بجوازه .أ.هـ

هذه المعاملة التي تقوم بها البنوك الإسلامية هي ما تعرف ببيع المرابحة للآمر بالشراء ، وهو بيع جائز لا شيء فيه بشرط أن يقوم هذا التاجر بشراء السلعة بنفسه، ويقوم بحيازتها ، ثم بعد حيازتها يبيعها لمن كان قد طلبها منه ، أما ما حدث بينهما قبل ذلك فهو وعد بالشراء وليس بيعا في ذاته .

وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة هذه الأسئلة وغيرها من التطبيقات التي يقتضيها عقد المرابحة ، وقرر المجمع جواز هذا العقد من البيوع ، وأن ضمان السلعة يكون على البنك حتى يتم التسليم.

وهذا نص قرار المجمع:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي الوفاء بالوعد ، والمرابحة للآمر بالشراء ، واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما [قرر ما يلي] :

أولاً : أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور ، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز ، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم ، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه .

ثانياً : الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد – يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر ، وهو  ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد . ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد ، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثا : المواعدة – وهي التي تصدر من الطرفين – تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين ، كليهما أو أحدهما ، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز ، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي عن بيع الإنسان ما ليس عنده .

(ويوصي بما يلي)

في ضوء ما لوحظ من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء .

أولاً : أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية ، بجهود خاصة ، أو عن طريق المشاركة والمضاربة ، مع أطراف أخرى .

ثانياً :أن تُدرس الحالات العلمية لتطبيق المرابحة للآمر بالشراء لدى المصارف الإسلامية ، لوضع أصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق ، وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء .