مسافة(81 كيلو مترا) تكفي للفطر ، وجمهور الفقهاء متفقون على أن السفر أكثر من ثمانين كيلو يبيح الفطر، والبعض يرى أن مجرد السفر مبيح للفطر، والسفر نفسه هو السبب المبيح للفطر وليست المشقة، فسواء وجدت المشقة أم لا فيباح الفطر.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

المسافر له أن يفطر بنص القرآن الكريم: ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة :184، والمسافة قد اختلف فيها الفقهاء ولكن هذه المسافة التي يسأل عنها السائل وهي أكثر من 80 كيلو مترًا اعتقد أن الجميع يوافقون عليها وقد قدرت المسافة لقصر الصلاة ولإباحة الفطر عند أكثر المذاهب بنحو 84 كيلو مترًا وهذه التقديرات تقريبية، ولم يجىء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه تقدير بالمتر ولا بالكيلو متر، فهذه المسافة كافية، وإن كان بعض العلماء لا يشترط مسافة أصلاً، فإن كل سفر يسمى سفرًا لغة وعرفًا يجيز فيه قصر الصلاة، كما يجيز فيه للمسافر أن يفطر ، هذا ما قرره القرآن الكريم وما قررته السنة، وهو مخير في ذلك، فقد كان أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – يسافرون مع النبي – صلى الله عليه وسلم – قالوا: فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم، ولم يعب الصائم على المفطر. ولكن المسافر الذي يشق عليه الصوم مشقة شديدة يكره له أن يصوم، بل ربما حرم عليه لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في رجل قد ظلل عليه من شدة مشقة الصوم عليه، فسأل عنه فقالوا: صائم . فقال – صلى الله عليه وسلم -: ” ليس من البر الصيام في السفر ” (رواه البخاري) وذلك فيمن اشتدت المشقة عليه، ومن لم يشق عليه فهو بالخيار كما قلنا، يصوم أو يفطر.

ولكن ما أفضلهما ؟

اختلف العلماء، بعضهم فضل الصيام، وبعضهم فضل الفطر، وقال عمر بن عبد العزيز: أيسرهما أفضلهما . فبعض الناس يكون أيسر عليه أن يصوم مع الصائمين، لئلا يقضي بعد ذلك أيامًا والناس مفطرون، فهذا نقول له: صم . وبعض الناس يرى أن الفطر عليه أيسر في رمضان، ليقضي أمورًا، ويقضي حاجات ويتحرك بسهولة، في قضاء ما شرع الله له وما أباح له، فهذا نقول له: افطر واقض عدة من أيام أخر . فأيسرهما على صاحبه فهو أفضل .

و روى أبو داود عن حمزة ابن عامر الأسلمي قال: قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر (أي صاحب ركوبة) أعالجه وأسافر عليه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون علىَّ من أن أؤخر فيكون دينًا على، أفأصوم يا رسول الله ؟ أعظم لأجري ؟ أم أفطر ؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” أي ذلك شئت يا حمزة ” . أي اختر ما يتيسر لك.

وفي رواية عن النسائي عنه: أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أجد قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح ؟ قال: ” هي رخصة الله لك، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ” .

هذا هو شرع الله في المسافر . وليس من الضرورة ولا من الشرط في هذه الرخصة أن تكون المشقة شديدة أو أن تتحقق المشقة، بل السفر نفسه مبيح للفطر، لم يعلق الله الرخصة على المشقة، وإنما علقها على السفر . فإن المشقة لو علق بها الحكم لاختلف الناس فيها اختلافًا شديدًا، فالمتزمت يعاني أصعب المشقات، ومع هذا يقول: ليست هذه مشقة فيكلف نفسه ما يرهقها، وما يعنتها، والله لا يريد إعنات عباده . والمترخص يعتبر أدنى جهد مشقة عليه.

لهذا علق الله حكم الإفطار في السفر، على السفر نفسه، فلو سافر الإنسان في طائرة أو في قطار أو في سيارة، فله أن يفطر، فإن المسألة أن عليه الدين، عليه أن يقضي عدة من أيام أخر، لا يسقط عنه الصوم سقوطًا أبديًا، إنما هو سقوط مؤجل، سقوط إلى بدل آخر، إلى القضاء، فهو مخير في هذه الحالة ولو لم يجلب السفر له المشقة . والذي جرب الأسفار يعلم أن السفر في نفسه قطعة من العذاب، سواء أسافر الإنسان على الدابة أم سافر على الطائرة، فمجرد ابتعاد الإنسان عن محل استقراره، ومجرد بعده عن أهله، يشعر شعورًا نفسيًا بأنه غير طبيعي، وغير مطمئن في حياته وغير مستقر . لهذه المعاني النفسية – فوق المعاني البدنية – شرع الله الفطر، ولغيرها من الحكم مما نعلم ومما لا نعلم، وحسبنا أن نقف عند النص ولا نتفلسف ولا نضيع أو نهدر أو نبطل رخصة رخصها الله لعباده وأكدها بقوله: ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ  الْعُسْرَ ) البقرة : 185.