الحج ركن الإسلام وشعبة الإيمان، للحديث : ” بني الإسلام على خمس… وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا” ولقوله تعالى : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، وللحديث : “- إنَّ اللهَ تعالى يقولُ : إنَّ عبدًا أصحَحتُ لهُ جسمَهُ ، ووسَّعتُ عليهِ في مَعيشتِهِ ، تمضي عليهِ خمسةُ أعوامٍ لا يَفِدُ إليَّ لمَحرومٌ”.

هل الأولى حج الفريضة أم تزويج البنت:

مع توفر السيولة النقدية التي تكفي لتغطية نفقات الحج للرجل وزوجته، مع صحة البدن، وأمن الطريق: فيجب الخروج لبيت الله الحرام، وأداء فريضة الله تعالى، فدين الله تعالى أحق بالوفاء، وأولى بالتقديم والرعاية، وهو باب من أبواب الرزق كما في الحديث: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب”.

ولعلك أيها المسلم بتعظيم شعائر الله وتقديم حقه، تستأهل بذلك عون الله وتأييده في تزويج ابنتك، ثم إن الحج فرض بالكتاب والسنة والإجماع، أما تجهيز البنت والإنفاق على ذلك من قبل الأبوين: فلا أصل له في شقي الوحي: (الكتاب والسنة)، فإن كان العرف قد جرى على ذلك ـ وللعرف مكانه في الشريعة ـ ولكن لا بد من رعاية الأولويات، وهذا العرف مع الأخذ به يكون على قدر المستطاع.

والأصل أن على الراغب في الزواج: أن يتكفل هو بتأمين هذه الأشياء ، وعدم تحميل أسرة الزوجة وأهل العروس شيئا من التكاليف، لقول الرسول : ” يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة: فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع: فعليه بالصوم، فإنه له وجاء “.
ولقوله تعالى :{وأتوا النساء صدقاتهن نحلة}، ولقوله تعالى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإن أتممت عشرا فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}، ولقوله تعالى : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}
يتلخص من هذه النصوص: تقديم القيام بفرض الحج، لأنه حق الله ، وبذلك تكون وسيلة للاستغناء وللقيام بعد ذلك بتجهيز البنت، وفق روح الشريعة.

أيهما أولى بالتقديم حق الله أم حق العباد:

الواجب تقديم حق الله تعالى، على حق سائر الخلق، أولم يقدم الله تعالى حقه على حق الأصول؟ فكيف لا يقدم على حق الفروع، إذا سلمنا بأن المساهمة في تجهيز البنت من حقوقها على أبيها، هذا ومن الأصول الدالة على أن حق الله تعالى يقدم على حق الأصول، (الأب والأم وإن علا) قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وقوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل: لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا}، ولقوله تعالى: { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي }.

من هذه النصوص وغيرها: أخذ العلماء أن حق الله تعالى مقدم على حق سائر الخلق، وفي مقدمتهم: الوالدين، وعليه: فليخرج المسلم إلى حج بيت الله تعالى إن استطاع إليه سبيلا، وليكن بما في يد الله أوثق منه مما في يده، لقوله تعالى: (ما عندكم ينفد، وما عند الله باق}. ثم إن مكافأة نهاية الخدمة أمر غيبي غير يقيني ، والغيب لا يعلمه إلا الله والأقدار مغيبه، ولكن الرزق بيد الله تعالى وحده فلنثق بوعده الكريم ، (وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}.

وأبشر أيها المسلم برزق الله وبفرج الله تعالى ، وبصدق وعده الكريم ، حيث قال: (وأنكحوا الأيامى منكم، والصالحين من عبادكم وإمائكم ،إن يكونوا فقراء: يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم}، ولقول الرسول : ” ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف” وصدق رسول الله.