القرآن الكريم نزل على رسول الله – - بلفظه ومعناه ، أما الحديث القدسي فهو وحي من الله غير القرآن أفهمه الله لنبيه فبلغ للناس معناه بلفظ من عنده .

يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله- :

إنما يفهم هذه المسألة من يفهم معنى الوحي كما ينبغي ، ونقول إن الوحي هو : إعلام لله تعالى نبيه شيئًا بطريق خفي غير الطرق التي يستفيد بها العلم سائر البشر – له طرق وكيفيات منها أن يلقي الله في قلب النبي بواسطة مَلَك أو بغير واسطة ، معنى من المعاني فيعلم أنه من الله تعالى لا من الخواطر العادية ، فيعبر عنه بلفظ من عنده ويسنده إلى الله تعالى ؛ لأنه هو الذي أوحاه إليه بلا ريب عنده ولا شك ، ومن هذا القبيل الأحاديث القدسية ، وذهب بعض العلماء إلى أن كل ما يقوله النبي في الدين منه ، أي أنه وحي وإن لم يسند إلى الله تعالى ، وجعلوا هذا مفهومًا من قوله تعالى : ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [(النجم : 3-4 ) وذهب آخرون إلى أن بعض قوله اجتهاد واستنباط من الكتاب ، واختلفوا هل يخطئ في اجتهاده أم لا ، فعلمنا أن للنبي في هذا النوع من الوحي العبارة عنه ؛ ولذلك تجوز روايته بالمعنى بشرطه ؛ لأن لفظه ليس منزلاً .

وأما القرآن العظيم فقد نزل على قلبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بلفظه ومعناه ونظمه وأسلوبه ، فليس له ولا لغيره أن يغير كلمة بكلمة ترادفها ، أو يؤديه بالمعنى ، ولهذا كان يعجل بتلاوته ويأمر بكتابته ؛ لأنه كان يخاف أن ينسى كلمة منه أو يذهل عن ترتيبه الذي ألقي في قلبه حتى أمنه الله تعالى بقوله : ]سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ [( الأعلى : 6-7 ) أي فلا تنسى أبدًا ؛ لأن هذا الاستثناء من مؤكدات النفي كقوله تعالى : ]قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَراًّ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ [( الأعراف : 188 ) وقوله عز وجل : ]خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ [( هود : 107 ) وبقوله : ]لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [( القيامة : 16-19 ) فتأمل كيف سمَّى الله تعالى إيحاءه إليه قراءة منه سبحانه وتعالى ، وإلقاء المعنى وحده لا يسمى قراءة ، ويظهر لك الفرق بين وحي المعنى وحده ، ووحي اللفظ مع المعنى بالرؤى ؛ فإن الرؤيا الصالحة للأنبياء من الوحي ، وقد يتمثل المعنى للرائي بصورة محسوسة فيعبر عنه بلفظ يناسبه ، كما عبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن اللبن الذي رآه في المنام بالعلم ، وقد يرى الرائي شخصًا يقول له كلامًا يحفظه ويعيه بلفظه أو بمعناه فقط ، وما دام الوحي خطابًا للروح فلا فرق في حقيقته بين يقظة ومنام .

ولما خصَّ الله تعالى هذا النوع من الوحي الذي سماه قرآنًا بهذه الخصوصية ، ولم يجعل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيه عملاً ولا كسبًا إلا بتبليغه والعمل به كما أنزل ليكون آية بينة على صدقه ومعجزًا للبشر – والنبي منهم – ومحفوظًا إلى الأبد جعل له أحكامًا خاصة به ، منها حرمة مسِّه للمُحْدِث وحرمة قراءته على الجنب وحرمة روايته بالمعنى ، وعدم جواز الصلاة بغيره ، والأجر على تلاوته لأنها عبادة ، حتى ورد أن للقارئ بكل حرف عشر حسنات ، وذهب بعض العلماء إلى حرمة بيعه وبعضهم إلى كراهتها ، وهذا القدر كافٍ في الفرق بين القرآن الكريم ، والأحاديث القدسية في الكنه والحكم .