وصف الإسلام منهاجا وسطا عدلا في علاج سوء العشرة بين الزوجين، حيث دعاهم أولا إلى الإصلاح واعتبر هذا الصلح خير من الفرقة فقال: (والصلح خير)، لكن في حالة التمادي في الشحناء والاختلاف وعدم الوفاق بحيث لو استمرا في علاقة مشحونة بالبغضاء يؤدي إلى انحرافات في المجتمع، فهنا دعا الإسلام إلى الطلاق ووضع له شروطا وذلك أن يكون عدد الطلاق ثلاث مرات متفرقات، كل مرة يفصلها وقت يمكن أن يراجع كل واحد  من الزوجين نفسه، وهذا تبع للطلاق السني، أما خلاف ذلك أن يطلق ثلاث مرات مجتمعات فما حكم الدين الإسلامي في ذلك؟

ما هو حكم الطلاق في الإسلام:

الطلاق في الإسلام ينطبق عليه الأحكام الشرعية الخمسة على ما اشتهر من كلام فقهاء مذاهب أهل السنة والجماعة.

لكن لا بد من التأكيد أن الطلاق في الإسلام من حق الرجل الذي هو الزوج وحده، قال ابن عباس: “أتى النّبيّ  رجل فقال: يا رسول الله! إِن سَيّدي زوَّجني أَمَتهُ، وهو يريد أن يفرِّق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله  المنبر فقال: يا أيها النّاس! ما بال أحدكم يزوّج عبده أَمَتهُ؛ ثمّ يريد أن يفرّق بينهما؟ إِنّما الطلاق لِمن أخذ بالساق” [أخرجه ابن ماجه في السنن بسند صحيح].

والمقصود بقوله “الطلاق لمن أخذ بالساق”: يعني الزَّوج وإِنْ كان عبداً فإِذا أذِن السيد لعبده في النّكاح؛ كان الطلاق بيد العبد الآخذ بالساق؛ لا بِيَدِ سيده، فليس له إِجباره على الطلاق؛ لأنّ الإِذن في النّكاح إِذن في جميع أحكامه وتعلّقاته”. [فيض القدير].

ويتنوع حكم الطلاق حسب الحالات الآتية:

  • واجب: وهو طلاق المولي الذي حلف أنه لا يقرب زوجته بعد التربُّص إِذا أبى الفيئة، وطلاق الحَكَمين في الشقاق إِذا رأيا ذلك.

وكذلك إِذا كانت المرأة سيئة الخُلُق لقوله : “ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجلٌ كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلّقها، ورجلٌ كان له على رجل مال فلم يُشهد عليه، ورجل آتى سفيهاً ماله وقد قال الله عز وجل: {ولا تُؤتُوا السُّفهاء أموالكم} [النساء: 5].

  • مكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إِليه، وقال بعضهم: إِنه محرّم لأنّه ضررٌ بنفسه وزوجته، وإعدام المصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إِليه؛ فكان حراماً كإِتلاف المال، ولقول النّبيّ : “لا ضرر ولا ضِرار”.
  • محظور: وهو أن يكون الطلاق في الحيض أو في طُهرٍ جامَعها فيه، ويُسمّى طلاق البدعة؛ لأنّ المطلِّق خالف السُّنّة وترَك أمْر الله -تعالى- ورسوله  ولأنه إِذا طلَّق في الحيض طَوَّل العدة عليها، فإِن الحيضة التي طلَّق فيها لا تحسب من عدتها، ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض، وإِذا طلّق في طهرٍ أصابها فيه؛ لم يأمن أن تكون حاملاً؛ فيندم وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء.

ما هي شروط الطلاق:

يشترط في كل ركن من أركان الطلاق بعض أمور في مذاهب أهل السنة والجماعة وتشمل هذه الشروط ما يأتي:

  1. أن يكون المطلق زوجاً مكلفاً (بالغاً عاقلاً) مختاراً بالاتفاق، وأن يكون عند المالكية مسلماً، وأن يعقل الطلاق عند الحنابلة.
  2. أن يكون القصد في الطلاق إرادة التلفظ به، ولو لم ينوه، أي إرادة لفظ الطلاق لمعناه، بألا يقصد بلفظ الطلاق غير المعنى الذي وضع له.
  3. يقع عليه الطلاق:
  4. أن تكون المرأة التي يقع عليها الطلاق في حال زواج صحيح قائم فعلاً، ولو قبل الدخول، أو في أثناء العدة من طلاق رجعي؛ لأن الطلاق الرجعي لا تزول به رابطة الزوجية إلا بعد انتهاء العدة.
  5. أن يستعمل اللفظ الذي ظهر المراد منه وغلب استعماله عرفاً في الطلاق، كالألفاظ المشتقة من كلمة (الطلاق) مثل: أنت طالق، ومطلقة، وطلقتك وعلي الطلاق. ومنه قول الرجل: «أنت علي حرام أو حرمتك أو محرمة»؛ لأنه وإن كان في الأصل كناية، فقد غلب استعماله بين الناس في الطلاق، فصار من الألفاظ الصريحة فيه.

متى لا تحسب الطلقة الثالثة:

هناك بعض حالات من الطلاق لا يقع فيها الطلاق الثالث وهي:

  1. الطلاق الثالث بقصد التأكيد: وذلك إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا بألفاظ متعددة في مكان واحد وقصد التأكيد على الطلقتين الأخيرتين، فإن الطلاق الثالث لا يقع باتفاق الفقهاء، فإن قال الزوج لامرأته: «أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق» وتخلل فصل بينها، وقعت الثلاث، سواء أقصد التأكيد أم لا؛ لأنه خلاف الظاهر. وإن قال: قصدت التأكيد صدق ديانة، لا قضاء. وإن لم يتخلل فصل: فإن قصد تأكيد الطلقة الأولى بالأخيرتين، فتقع واحدة؛ لأن التأكيد في الكلام معهود لغة وشرعاً. وإن قصد استئنافاً أو أطلق (بأن لم يقصد تأكداً ولا استئنافاً) تقع الثلاث، عملاً بظاهر اللفظ.
  2. الطلاق الثلاث بلفظ واحد أو جملة واحدة: اتفق الفقهاء على أن الطلاق السني المشروع هو الواقع بالترتيب مفرقاً، الواحد بعد الآخر، لا بإيقاع الثلاث دفعة واحدة، لظاهر قوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229] أي أن الطلاق المباح ما كان مرة بعد مرة، فإذا جمع الرجل الطلقات الثلاث بكلمة واحدة، أو بألفاظ متفرقة في طهر واحد، يكون بدعياً محظوراً في قول الحنفية والمالكية وابن تيمية وابن القيم.

إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة أو بكلمات في طهر واحد، يكون آثماً مستحقاً لعقوبة يراها القاضي .

وبناء على هذا فإن الطلاق الثلاث يقع به واحدة، ولا تأثير للفظ فيه. وبهذا القول أخذ‌‌ القانون في مصر وسورية.

والقول الثاني يرى وقوع الطلاق الثلاث في جملة واحدة ثلاثا، وهذا قول جمهور العلماء منهم أئمة المذاهب الأربعة والظاهرية: يقع به ثلاث طلقات، لكن لا يسن أن يطلق الرجل أكثر من واحدة.

جاء في كتاب فقه السنة لفضيلة الشيخ السيد سابق ـ رحمه الله:

إذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات، واتفق العلماء على أنه يحرم على الزوج أن يطلقها ثلاثًا بلفظ واحد. أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد. وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلاقي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، لأنه جعل الطلاق متعددًا لمعنى التدارك عند الندم، وفضلاً عن ذلك، فإن المطلق ثلاثًا قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا.

وقد روى النسائي من حديث محمود بن لبيد قال: “أخبرنا رسول الله  عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جيمعًا. فقام غضبان”. فقال: “أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، أفلا أقتله”.

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: “فجعله لاعبًا بكتاب الله” لكونه خالف وجه الطلاق وأراد به غير ما أراد الله به، فإنه تعالى أراد أن يطلق طلاقًا يملك فيه رد المرأة إذا شاء، فطلق طلاقًا يريد به ألا يملك فيه ردها.

وأيضًا فإن إيقاع الثلاث دفعة مخالف لقول الله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ).البقرة : 229

والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الأمم، لما كان مرة بعد مرة، فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه. فكيف إذا أراد باللفظ الذي رتب عليه الشارع حكمًا ضد ما قصده الشارع؟! أ. هـ.

  • إذا شك في عدد الطلاق بنى على اليقين، وهو الأقل، فمن شك في طلاق ثلاث، فيحكم عند الجمهور غير المالكية بوقوع طلقة واحدة حتى يستيقن؛ لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه، فلم يلزمه، كما لو شك في أصل الطلاق، وتبقى أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة، وإذا راجع، وجبت النفقة وحقوق الزوجية.

ما هي مبطلات الطلاق:

يبطل الطلاق ويحرم تنفيذه في بعض حالات هي:
1 – الطلاق في حال الحيض أو النفاس أو طهر قد جامع زوجته فيه عند ابن تيمية وغيره:
وهذا النوع من الطلاق هو الطلاق البدعي، حيث يكون للمرأة التي دخل بها زوجها، وكانت ممن تحيض، أما التي لم يدخل بها الزوج أو كانت حاملاً أو لا تحيض، فلا يكون طلاقها بدعياً قبيحاً شرعاً.
 قال ابن عباس: الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام، فأما اللذان هما حلال: فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع، أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها، وأما اللذان هما حرام: فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها عند الجماع، لا يدري، اشتمل الرحم على ولد أم لا.
ويقع الطلاق البدعي  باتفاق المذاهب الأربعة في حال الحيض أو في حال الطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه؛ لأن النبي  أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها، وهي حائض، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق، ويؤيده رواية: «وكان عبد الله طلَّق تطليقة، فحسبت من طلاقها».
والظاهرية وابن تيمية وابن القيم: يحرم الطلاق في أثناء الحيض أو النفاس أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه، ولا ينفذ هذا الطلاق البدعي.
2- الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة : فإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة أو بكلمات في طهر واحد، يكون آثماً مستحقاً لعقوبة يراها القاضي، لكن الطلاق يقع ثلاثاً في المذاهب الأربعة.
وذهب بعض الحنفية وابن تيمية وغيرهم بأن هذا الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع واحدا فقط.

ماحكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة:

تحرم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة، وهو الطلاق البائن بينونة كبرى، وهو يزيل قيد الزوجية، ولا يحل للرجل أن يعيد من أبانها بينونة كبرى إِلى عصمته، إِلا بعد أن تنكح زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها دون إِرادة التحليل؛ يقول الله -تعالى-: {فإِنْ طلَّقها فلا تحلُّ له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة: 230]

جاء في “المحلّى”: “والبائن هو الذي لا رجعة له عليها إِلا أن تشاء هي في غير الثلاث بولي وصداق، ورضاها، ونفقتها عليه في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة، ويلحقها طلاقه”.

هل يقع الطلاق عندما يقول أنت طالق بالثلاث:

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
” إذا طلق الرجل امرأته بالثلاث بكلمة واحدة ، كأن يقول لها : أنت طالق بالثلاث ، أو مطلقة بالثلاث ، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تقع بها الثلاث على المرأة ، وتحرم على زوجها بذلك حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ، ويطأها ، ثم يفارقها بموت أو طلاق .
واحتجوا على ذلك : بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أمضاها على الناس .

وذهب آخرون من أهل العلم : إلى أنها تعتبر طلقة واحدة ، وله مراجعتها ما دامت في العدة ، فإن خرجت من العدة ، حلت له بنكاح جديد .