ما هو الرياء وما هي حقيقته:

الرياء هو إرادة وجه الناس مع وجه الله عند فعل الخير، كمن يصلي ليقال أنه مصلي، أو ينفق ليقال جواد كريم، أو يظهر الخشوع في الصلاة ليقال خاشع.ونحو ذلك.

والمسلم يخاف من تسرب الرياء والهوى إلى نفسه وهو لا يشعر، فإن للشيطان سراديب خفية وملتوية، يدخل بها إلى النفس، وقد يئس من إيقاع المؤمن في المعاصي الظاهرة، فعمله الدائم معه في المعاصي الباطنة، وبها يستطيع أن يضيع عليه عباداته وأعماله التي يرجو بها الله والدار الآخرة.
ولهذا قال سهل: لا يعرف الرياء إلا مخلص، لأنه – لخوفه منه – يرقبه ويتتبعه، ويعرف أغواره ومداخله، ولا يكذب على نفسه، ويزين لها سوء عمله فتراه حسنًا.
ومن أجل هذا صعب الإخلاص، وقل المخلصون، وفيه قال سهل أيضًا: أهل ” لا إله إلا الله ” كثير، ولكن المخلصين منهم قليل !
هذه العناصر التي ذكرناها هي مقومات الإخلاص الكامل، والسعيد من توافرت له كلها وقليل ما هم، وعلى قدر حظ المسلم منها يكون حظه من الإخلاص.

التحذير من الرياء في القرآن والسنة:

وكما حفلت نصوص الكتاب والسنة بالترغيب في النيَّة والإخلاص والصدق، حفلت كذلك بالترهيب والتحذير من آفة الرياء، وابتغاء وجه الناس – لا وجه الله – بعمل الآخرة.

كما حذرت ورهبت من أمر آخر، هو: حب الجاه والشهرة والمنزلة في قلوب الخلق.
– القرآن يحذر من الرياء والمرائين:
إن الرياء من معاصي القلوب الشديدة الخطر على النفس وعلى العمل، وهو من الكبائر الموبقة، ولهذا اشتد الوعيد عليه في القرآن والحديث.
لقد جعله القرآن من أوصاف الكفرة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أو المنافقين الذين يقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.
يقول تعالى: (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الكَافِرِينَ) (البقرة: 264).
وقال في سورة أخرى: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (النساء: 38).
فهذا رياء الكفار الذين لا يؤمنون بالمبدأ ولا بالمعاد، فلا يتصور منهم أن يعملوا لله ولا للدار الآخرة.
وإذا كانت نفقتهم رياء، فإن خروجهم للقتال والغزو رياء كذلك، لا نصيب فيه لله، كما قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنفال: 47).
وأما المنافقون فقد قال تعالى في شأنهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً) (النساء: 142)
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون: 4 – 7) فتوعدهم الله تعالى بالويل، وهو الهلاك والعذاب.

الأحاديث النبوية تُرهب من خطر الرياء:
وأما الحديث فكثير، نكتفي منه بما انتقيناه من كتاب ” الترغيب والترهيب ” للحافظ المنذري.
فقد ذكر في ” الترهيب من الرياء ” جملة من الأحاديث، انتقينا منها تسعة بدأها بالحديث الخطير، الذي رَواهُ مسلم وغيره، ونصه في صحيح مسلم:
1 –عن أبي هُريرةَ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقُضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتى به، فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيها حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جرىءٌ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تُحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار) (رَواهُ مسلم والنسائيُّ، ورواه التّرمذيُّ وحسنه، وابن حِبَّان في صحيحه، وكلاهما بلفظ واحد).
نقول: وفيه أن معاوية لما بلغه هذا الحديث، بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ) (هود: 15 – 16).
وقد يسأل بعض الناس: لماذا هذا العذاب والوعيد الذي يتطاير شرره، وقد فعل الخير؟ والجواب: أن الإسلام يهتم بالباعث على العمل أكثر من العمل نفسه، وقد علم بالفطرة أن التزوير من الإنسان على إنسان مثله من شر الرذائل، وأبشع الجرائم، فإذا كان التزوير من المخلوق على خالقه، فالجريمة أبشع وأشنع، وهذا هو عمل المرائي، يعمل لوجه الناس، وهو يريهم أنه يريد الله، كذبًا وزورًا، فلا غرو أن يفضحه الله يوم تُبلى السرائر، وأن يُسحب على وجهه إلى النار ! ولذلك قال قتادة: إذا راءى العبد قال الله لملائكته: انظروا إليه كيف يستهزئ بي؟!
2 – وعن أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالسّنَاء والرفعة والدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب) (رَواهُ أحمدُ (وقال الهيثمي: رَواهُ أحمدُ وابنه من طرق، ورجال أحمدُ رجال الصحيح، كما في المجمع (220/10)، وهو في ” الموارد ” برقم (2501)، وابن حِبَّان في صحيحه، وَالحَاكِمُ، والبيهقيُّ، وقال الحَاكِمُ، صحيح الإسناد) (ذكر المناوي في الفيض: أن الذهبي أقره في موضع ورده في آخر، وهذا صحيح؛ لاختلاف الإسنادين في الموضعين، انظر: (311/4)، وفيه وافق الذهبي الحَاكِمُ، والآخر (318/4) وفيه تعقبه).
وفي رواية للبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالتيسير، والسناء، والرفعة بالدين، والتمكين في البلاد ن والنصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب).
3 – وعن جندب بن عبد الله رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمَّع سمَّع الله به، ومن يُراء يُراء الله به) (رَواهُ البُخاريُّ ومسلم).
” سمع ” – بتشديد الميم – ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رءوس الأشهاد.
4 – وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سُمعة ورياء إلا سمع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة) (رَواهُ الطَّبرانيُّ بإسناد حسن) (وكذا قال الهيثمي (223/10).
5 – وعن محمود بن لبيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس؛ إياكم وشرك السرائر). قالوا: يا رسول الله؛ وما شرك السرائر؟ قال: (يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر) (رَواهُ ابن خزيمة في صحيحه) (وهو الحديث (937) منه، وفي هامشه نبه الألباني على أنه من رواية ابن لبيد عن جابر، كما أخرجه البيهقيُّ في السنن (290/2، 298).
6 –وعن زيد بن أسلم عن أبيه، أن عمر رضى الله عنه خرج إلى المسجد فوجد معاذًا عند قبر رسول الله – عليه الصلاة والسلام – يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله (أولياء الله، هم المذكورون في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: 63)، وهذا في معنى الحديث القدسي عند البُخاريُّ: ” من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب”) فقد بارز الله بالمحاربة؛ إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة) (رَواهُ ابنُ مَاجه وَالحَاكِمُ والبيهقيُّ في كتاب الزهد له وغيره، وقال الحَاكِمُ: صحيح ولا علة له) (رَواهُ في موضعين ووافقه الذهبي (4/1، 328/4)، وأما في زوائد ” ابن مَاجه ” فضعفه بابن لهيعة، مع أن الراوي عنه هو عبد الله بن وهب، والتحقيق: أنه إذا روى عنه أحد العبادلة – ومنهم ابن وهب – فحديثه مقبول، ويصححه كثير من المحققين، وكان الأولى أن يضعف بعيسى بن عبد الرحمن – في سند ابن مَاجه – وهو متروك، وسند الحَاكِم في الموضع الأول ليس فيه ابن لهيعة ولا عيسى، فهو العمدة، وانظر: تخريجنا للحديث في رسالة ” نحو مشروع موسوعة للحديث النبوي . كما رَواهُ الطَّبرانيُّ من حديث ابن عمر، وفي سنده ضعف، كما قال الهيثمي في المجمع).
7 – وعن محمود بن لبيد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (الرياء. يقول الله – عز وجل – إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا: هل تجدون عندهم جزاء)؟! (رَواهُ أحمدُ بإسناد جيد (وقال الهيثمي: رَواهُ أحمدُ ورجاله رجال الصحيح (102/1)، وابن أبي الدنيا، والبيهقيُّ في الزهد وغيره).
8 – وعن أبي هُريرةَ أن رسول الله – عليه الصلاة والسلام قال: (قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ فمن عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه برىءُ، وهو للذي أشرك) (رَواهُ ابن ماجه واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقيُّ، ورواة ابن مَاجه ثقات) (وهو الحديث (4202)، وفي الزوائد للبوصيري: إسناده صحيح، رجاله ثقات، من سنن ابنُ مَاجه، وفات المنذري أن يسنده إلى مسلم وهو في كتاب ” الزهد ” منه، ولكن لم يقل فيه: ” فأنا منه برىء”، بل قال: ” تركته وشريكه “).
9 – وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة، بصحف مختمة، فتنصب بين يدي الله تعالى، فيقول تبارك وتعالى: ألقوا هذه، واقبلوا هذه، فتقول الملائكة: وعزتك وجلالك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله عز وجل، إن هذا كان لغير وجهي، وإني لا أقبل إلا ما ابْتغى به وجهي) (رَواهُ البزار والطَّبرانيُّ بإسنادين، رواة أحدهما رواة الصحيح (قال الهيثمي (350/10): رَواهُ الطبراني في الأوسط بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه البزار)، والبيهقيُّ).

كيفية العلاج من الرياء:

1ـ الاهتمام بنظر الخالق لا المخلوقين
أن يهتم المخلص بنظر الخالق لا بنظر المخلوقين، فإنهم لن يغنوا عنه من الله شيئًا. وقد قال الفضيل بن عياض: العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.

2ـ استواء الظاهر والباطن والسر والعلانية.
أن يستوي ظاهر المخلص وباطنه، وعلانيته وسريرته، فلا يكون ظاهره عامرًا وباطنه خرابًا، ولا تكون علانيته عسلاً، وسريرته علقمًا، وقد قال سرى السقطي: من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله تعالى.

3ـ استواء المدح والذم:
أن يستوي عنده مدح الناس وذمهم، وقد قيل: ما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت محمودًا عند الله، والعكس أيضًا صحيح.

4ـ عدم رؤية الأعمال:
ألا ينظر إلى إخلاصه، فيعجب بنفسه، فيهلكه عجبه، ولذا أكد العارفون عدم رؤية الأعمال، حتى قال أبو يعقوب السوسي: متى شهدوا في إخلاصهم الخلاص، احتاج إخلاصهم إلى إخلاص !
وقال أبو بكر الدقاق: نقصان كل مخلص في رؤية إخلاصه، فإذا أراد الله تعالى أن يخلص إخلاصه، أسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه، فيكون مخلَصًا لا مخلِصًا.
وقال أبو عثمان المغربي: الإخلاص ما يكون للنفس فيه حظ بحال، وهذا إخلاص العوام، وأما إخلاص الخواص، فهو ما يجرى عليهم لا بهم، فتبدو منهم الطاعات، وهم عنها بمعزل، ولا يقع لهم عليها ولا بها اعتداد، فذلك إخلاص الخواص.
ومعنى هذا: أنهم فنوا عن أنفسهم وعن أعمالهم، وعن إخلاصهم، فلم يروا إلا الله تعالى الذي أخلصهم لدينه، فأخلصوا له دينهم.

5ـ نسيان اقتضاء ثواب العمل فى الآخرة:
ومن عناصر الإخلاص: نسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة؛ لأن المخلص لا يأمن أن يكون عمله مشوبًا بحظ للنفس قد يخفى عليه، فلا يحظى عمل بالقبول عند الله تعالى، فقد قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27).
والأعمال وإن عظمت فإنها لا تكافئ أدنى نعمة من نعم الله تعالى على عبده، على أن التوفيق للعمل إنما هو من الله تعالى، فهو صاحب الفضل أولاً وآخراً، فلا يقتضي العمل في ذاته ثوابًا في نظر المخلص، بل يرى الثواب إحسانًا من الله إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يُدخل أحدكم الجنة عمله)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) (متفق عليه عن أبي هُريرةَ).