علق الله سبحانه الفلاح بخشوع المصلي في صلاته، فمن فاته خشوع الصلاة لم يكن من أهل الفلاح. ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر أبدا، بل لا يحصل الخشوع إلا مع الطمأنينة، وكلما زادت الطمأنينة ازداد الخشوع.

قال الإمام أحمد في رواية مهنا بن يحيى: “إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة. فاعرف نفسك يا عبدالله، واحذر أن تلقى الله – عز وجل – ولا قدر للإسلام عندك؛ فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك”.

معيار الصلاة المقبولة

الصلاة المقبولة هي التي تشمل معايير القبول وهي:

أولا: صلاة صحيحة مكتملة الأركان والشروط.

ثانيا : أن تؤدى بكل خشوع.

ثالثا: أن يحسن فيها الركوع والسجود.

رابعا : أن يكثر فيها من الدعاء .

خامسا: أن تمنع من الفاحشة.

سادسا: أن تجعل العبد أكثر قربا من الله تعالى، مراقبا له.

صلاة فيها هذا يفلح صاحبها في الدنيا ويفوز في الآخرة لأنها كانت سببا في منعه عن السيئات، إذ قلبه معلق بربه.

هل الخشوع في الصلاة سر الفلاح

قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون]، فلما ذَكَر بقيَّةَ صفاتهم، ذَكَر جزاءهم، فقال: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون].

قال الحسن البصري رحمه اللهُ في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾، قال: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا لذلك الجناح.

قال ابن القيم: “علق اللهُ فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح.

والخشوع يأتي بِمَعْنَى لِينِ القلبِ، ورقَّتِه، وسُكونِه، فإذا خَشَعَ القَلبُ تَبِعَه خشوعُ الجوارح؛ لأنَّها تابعةٌ له؛ عنِ النُّعمان بن بشير رضِيَ الله عنه؛ أن النبي قال: “ألا وإنَّ في الجسَد مُضْغةً، إذا صَلَحَتْ صَلَح الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَدَ الجسَدُ كله، ألا وهي القلب”.

عن عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ أن النبي قال: “وإنَّ الرجُل لَينصَرف وما كُتِبَ له إلا عُشْرُ صلاتِه، تُسعُها، ثُمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبعُها، ثُلثُها، نِصفُها”.

متى يحصل الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما سواها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون له قرة عين؛ فعن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي قال: “حُبِّبَ إليَّ مِن الدُّنيا النساءُ والطِّيب، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة”؛ بل إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر صلى، وكان يقول: “قُمْ يا بلال، فَأَرِحْنا بِالصلاة”.

ما هي الأمور التي تساعد على الخشوع في الصلاة

1 – استحضار عَظَمَةَ الله سبحانه وتعالى، وأنه واقف بين يديْ جبارِ السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر].

2 – النظر إلى موضع السجود، ولا يلتفت في صلاته؛ عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أن النبي قال: “لا يزال اللهُ مُقْبِلًا على العبد في صلاته، ما لم يلتفت، فإذا صَرَفَ وَجْهَهُ، انصرف عنه” .

3 – تدبر القرآن الكريم والأذكار التي في الصلاة؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد].

4 – ذكر الموت في الصلاة؛ عن أبي أيوب رضي الله عنه؛ أنَّ النبي قال: “إذا قُمْتَ في صلاتكَ، فصلِّ صلاةَ مُوَدِّع”.

5 – أن يهيئ المصلي نفسه، فلا يصلي وهو حاقن، ولا بحضرة طعام، قال : “لا صلاةَ بحضْرَةِ الطَّعامِ، ولا وهو يُدافعُه الأَخْبَثَانِ”.

6 – إزالة كل ما يشغل في الصلاة من الزخارف والصور ونحوها؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله يُصَلِّي في خَمِيصَةٍ ذاتِ أعلامٍ، فنظر إلى عَلَمِها، فلما قَضَى صلاته قال: “اذهَبوا بهذه الخميصة إلى أبي جَهْمِ بنِ حذيفةَ، وائتوني بأَنْبِجَانِيِّه؛ فإنها أَلْهَتْنِي آنفًا في صَلاتي.

7 – مجاهدة النفس في الخشوع، فلا بد من الصبر والمجاهدة؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت].

8 – استحضار الثوابِ المترتب على الخشوع؛ عن عثمان رضي الله عنه؛ أن النبي قال: “ما مِن امرئٍ مسلم تَحْضُره صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءها، وخشوعَها، وركوعَها، إلا كانتْ كفَّارةً لما قبْلها منَ الذنوب، ما لم يُؤت كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه”.

مراتب الناس في الصلاة

قال ابن القيم رحمه الله: “والناس في الصلاة على مراتب:

الأول: مرتبة الظالم لنفسه المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها.

الثاني: من يحافظ على مواقيتها، وحدودها، وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.

الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه؛ لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها؛ لئلا يضيع شيئا منها؛ بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.

الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرا بقلبه إليه، مراقبا له، ممتلئا من محبته وعظمته؛ كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل.

فالأول: معاقب.

والثاني: محاسب.

والثالث: مكفر عنه.

والرابع: مثاب.

والخامس: مقرب من ربه.