في ظل سعار التنافس بين الباعة والمنتجين في جلب الزبائن تفتقت القرائح عن أساليب متنوعة للترويج، لعل أبرزها المسابقات التي تجريها بين المشترين ليحظى الفائز منهم بجوائز عينية ونقدية ، وكذا منح المشترين كلهم أو بعضهم هدايا وجوائز دون سباق بينهم.

ولأن الصحوة الإسلامية باتت تؤتي أكلها في صورة مسلمين وقافين عند حدود ربهم، يريدون أن تكون معاملاتهم وفق ما شرع الله عز وجل ، فقد كثرت أسئلة الناس عن هذا الأسلوب الدعائي الجديد.

وطفق أهل العلم يتلمسون حكم الشرع في هذه المسألة وفق ما يملكونه من أدوات الاجتهاد.

ومن المهم أن نبين الصور التي نعنيها هنا حتى لا تختلط بما لا نعنيه، وذلك أننا لا نعني هنا شراء شخص كوبونا بمبلغ ما  في غير مقابل، إلا ليشارك في السحب على الجائزة المرصودة، فهذا من الميسر ، لا شك في ذلك بين أحد من أهل العلم .

ولسنا نعني كذلك الهدايا التذكارية(وهي ما تعطيه بعض المؤسسات التجارية لعملاء مرتقبين من ذوي العلاقة بأنشطتها بقصد جذبهم وتذكيرهم بمنتجاتها وأنشطتها، مثل : التقاويم والمفكرات ودفاتر المذكرات وسلسلة المفاتيح ونحوها) ولا الهدايا الإعلانية( وهي النماذج والعينات من المنتجات ) تعطى للتعريف بالسلعة ، ولاستطلاع رغبات العملاء وغير ذلك، لا نعني هذه الأنواع من الهدايا ؛ لأنها جائزة بغير خلافما لم تكن من المحرمات كعلب السجائر وتقويمات البنوك الربوية ونحو ذلك.

المقصود بالجوائز التجارية التي عليها الخلاف:

ولكننا نعني تلك الجوائز التي تعطى لمشتري السلع، قد تكون مربوطة بالسلعة ، أو مخزنة بداخل علبها، أو تكون كمية إضافية مربوطة بقدر معين من المشتريات، وقد تربط هذه الجوائز بالسلع ربطا مباشرا، وقد يشترط للفوز بها تجميع عدد معين من أغطية زجاجات معينة مثلا، أو تجميع صورة معينة متفرقة الأجزاء، أو تمنح الجائزة عن طريق إجراء القرعة على أوراق السحب التي تعطى للمشترين كلهم أو بعضهم، أو أن تعلن الجريدة مثلا أن من يجمع عدة أرقام من الصحيفة يحصل على حق الدخول في السحب.

أراء العلماء في الجوائز التجارية بن الحل والحرمة:

ويمكننا أن نرد آراء العلماء في ذلك إلى اتجاهين اثنين:-

الاتجاه الأول :-يمنع هذا الأسلوب الدعائي، فهم يرون فيه معنى الميسر والقمار والاستغلال والغرر، وممن ذهب إلى ذلك ( الشيخ ابن باز، والشيخ ابن جبرين، وآخرون)

ويمكن استخلاص الأدلة التي استدل بها هذا الفريق كالتالي:-

1- أن في هذا النوع من الدعاية تشجيعا للناس على الإسراف طمعا في الهدايا.

2- أن فيه إضرارا بالتجار الذين لا يستعملون هذا الأسلوب.

3- أن فيه غررا وجهالة، فلا يدري المشتري هل يجد هدية مع سلعته أم لا؟

4- أن الهدية في هذا النوع من المسابقات  لا تدخل في واحدة من الثلاث التي قصرت السنة السباق عليها ، وذلك قوله : ” لا سبق  إلا في نصل أو خف أو حافر” رواه الخمسة.

الاتجاه الثاني :- يجيز أصحابه فيه هذا النوع من الدعاية بشروط وضوابط مختلفة، ويمكن تقسيم مدارس هذا الاتجاه إلى الآتي:-

أ- فبعض أصحاب هذا الاتجاه يشترط شرطين اثنين،وعلى رأس هؤلاء الشيخ ابن العثيمين – رحمه الله- ومعه طائفة كبيرة من أهل العلم، ويذكر الشيخ ابن العثيمين هذين الشرطين فيقول :-

الشركات – الآن – تجعل جوائز لمن يشتري منها ، فنقول : هذه لا بأس بها بشرطين:

الشرط الأول:أن يكون الثمن – ثمن البضاعة – هو ثمنها الحقيقي ، يعني : لم يرفع السعر من أجل الجائزة ، فإن رفع السعر من أجل الجائزة : فهذا قمار ولا يحل.

الشرط الثاني: ألاَّيشتريَ الإنسان السلعة من أجل ترقب الجائزة ، فإن كان اشترى من أجل ترقب الجائزة فقط ، وليس له غرض في السلعة : كان هذا من إضاعة المال ، وقد سمعنا أن بعض الناس يشتري علبة الحليب أو اللبن ، وهو لا يريدها لكن لعله يحصل على الجائزة ، فتجده يشتريه ويريقه في السوق أو في طرف البيت ، وهذا لا يجوز ؛ لأن فيه إضاعة المال ، وقد نهى النبي – – عن إضاعة المال” .انتهى. وقد قدمت أربعة بحوث إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي  تتسق جميعها مع هذا الاتجاه في الجملة.

إلا أن الشيخ ابن العثيمين استثنى من الجواز ما كانت الجائزة فيه مفرقة الأجزاء، بحيث يحاول المشتري جمعها في مرات متفرقة لأن في هذا النوع من الهدايا قماراً وميسراً، وذلك أن مشتري هذه السلع والخدمات يبذل مالاً في شرائها، ليجمع الأجزاء المفرقة، أو يملأ الدفتر الخاص، ثم هو على خطر بعد الشراء، فقد يحصّل الجزء المطلوب فيغنم، وقد لا يحصّله فيغرم.

يقول الشيخ ابن العثيمين :((…..أما الصورة الثانية: فهي جعل صورة سيارة نصفها في كارت ونصفها الثاني في كارت آخر مثلاً، ولا تدري عن هذا النصف الآخر هل هو موجود، أو غير موجود؟، وعلى فرض أنه موجود، فهو حرام بلا شك؛ لأن الإنسان إذا اشترى كرتوناً يكفيه وعائلته، ووجد فيه كارت السيارة، فإنه سوف يشتري عشرات الكراتين أو مئات الكراتين رجاء أن يحصل على النصف الثاني، ليحصل على السيارة، فيخسر مئات الدراهم، والنهاية أنه لا شيء، فقد تحصل لغيره، فيكون في هذا إضاعة مال وخطر، فلا يجوز استعمال هذه الأساليب)) وهذا في رأينا من سداد الفقه والرأي .

 ب- وبعض أصحاب هذا الاتجاه ( الدكتور الزرقا)يضع ضابطا آخر، ملخصه هو أن الهدايا إذا كانت كبارا لا تجوز لشبهها حينئذ بالميسر ولإضرارها ببقية التجار، وأما الهدايا الصغار التي توجد مع السلع، والتي لا يبلغ شأنها أن تسلم عن طريق السحب فلا بأس بها.

وقد أشاد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى- بهذا التفصيل فقال :

” أنا أؤيد هذا النظر الفقهي العميق، وأرى –إضافة إلى ذلك- أن هذا الأسلوب هو –في النهاية- إغلاء لقيمة السلع على حساب عموم المستهلكين، وهو يعُبر عن النمط الغربي الذي يغري الناس بكثرة الاستهلاك للسلع، وإن لم يكن بهم حاجة إليها، على خلاف المنهج الإسلامي الذي يحثُ على الاعتدال أبدًا”. طالع هنا فتوى الدكتور الزرقا وتعليق الشيخ القرضاوي عليها.

إلا أن الشيخ القرضاوي عاد فأجازهذه الهدايا الترويجية دون أن يقيدها بهذا القيد في فتوى له نشرت بالجزء الثاني من الفتاوى المعاصرة إلا أنه مع إجازته كره هذا الأسلوب الدعائي المأخوذ عن الرأسمالية.

ثم عاد الشيخ القرضاوي فكتب بحثا مستفيضا في المسألة انتهى فيه إلى حرمة هذا النوع الدعائي كله، صغيرة كانت الهدايا أو كبيرة، عينية كانت أو نقدية، فورية كانت أوتحت السحب. واستدل بأدلة الاتجاه الأول في جملتها بالإضافة  إلى أن في هذا النوع ظلما لمجموع المستهلكين. طالع هنا بحث الشيخ القرضاوي.

ج- وبعض أصحاب هذا الاتجاه فرق بين ما يعطى من جوائز بعد سباق، وبين ما يعطى منها منحة من البائع للمشترين دون إجراء سباق أو سحب، وعلى رأس هذا الاتجاه ( اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية ) ذكر هذا التفصيل عنها الشيخ خالد عبد الله المصلح في رسالته ( الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي) ووافق اللجنة في ذلك التفصيل.

يقول الشيخ خالد بن عبد الله المصلح في ذلك الكتاب:-

…وقد أفتى بجواز هذه الهدايا الترويجية اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء  في المملكة العربية السعودية، وذلك في جوابها على السؤال التالي: ((رأت شركة بترومين لزيوت التشحيم (بترولوب) مؤخراً، وبإيعاز وتوصية من إدارة التسويق، وتنفيذ من إدارة الإنتاج بالتنسيق مع إدارة العقود بعمل (كوبونات) تلصق بالكراتين عن طريق عمال الإنتاج، وتكون موجودة أصلاً في الكرتون حتى إذا ما أتم العميل جمع عدد معين من هذه (الكوبونات) حصل على جائزة معينة بحسب عدد (الكوبونات) التي جمعها؛ والسؤال هنا: ما حكم هذا العمل؟ وهل هو من القمار والميسر؟)).

فقالت اللجنة :

((بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأن الأصل في المعاملات الجواز، ولم يظهر لنا مايوجب منع هذه المعاملة المسؤول عنها)).

وأما ما يعطى على سبيل السباق ، وهو ما يُطلب فيه من المتسابقين إنجاز عمل معين؛إما أن يكون إجابة على أسئلة ثقافيّة ومعرفيّة، أو أسئلة تتعلق بالسلعة أو الشركة التي يراد الترويج لها؛ وإما أن تكون إكمال جملة دعائية إنشائية لما يراد ترويجه من السلع أو الخدمات، وإما أن تكون مزيجاً من ذلك، وإما أن تكون تصحيح أغلاط إملائية في نص إعلاني لسلعة أو خدمة يراد الترويج لها، وما أشبه ذلك ثم بعد فرز الإجابات يحدّد الفائز عن طريق القرعة غالباً،وهي ما يسمى بالسحب. فقد رأت  اللجنة الدائمة أن ذلك لا يجوز. ولها في ذلك أكثر من فتوى، انظر مثلا  فتوى رقم (5847) (فتاوى اللجنة 15/191 ) فقد جاء فيها : “إذا كان الأمر كما ذكرت فلا يجوز لك أخذ الجائزة التي يدفعها المحل التجاري بسبب شرائك منه أو زيارتك له واختبارك الرقم الذي كان مجهولاً لك وقت الاختيار وصار معلوماً بعد الاختيار لأن هذا من الميسر وقد علم تحريمه بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم “. أهـ  وذلك ردا على سؤال : ” (هناك بعض المحلات التجارية في أمريكا لبيع المواد الغذائية إذا اشتريت منهم يعطونك أرقاماً غير معروفة فإذا اجتمعت لديك بعض الأرقام المعينة التي حددها المحل تكسب جائزة وهي عبارة عن مبلغ من المال هل يجوز للمسلم أن يأخذ هذه الجائزة علماً بأنه لا يدفع مقابل ذلك شيئاً ولكن مجرد شرائه منهم أو زيارة المحل تكون سبباً لإعطائه هذه الأرقام التي يحتمل أن ينال فيها الجائزة.”

د- وبعض أصحاب هذا الاتجاه، منع جوائز المسابقات الترويجية، وأباح الهدايا الترويجيةبشرط أن لا تكون الهدية نقدا لأنها تكون داخلة في المسألة الفقهية المعروفة ( مد عجوة ودرهم). وأساسها حديث فضالة بن عبيد الله قال : ” اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينار فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي ، فقال : ” لا تباع حتى تفصل”. رواه مسلم وغيره.

الترجيح:-

إذا تأملنا الأدلة والشبهات التي ذكرها المانعون تعليلا لمذهبهم بالمنع ، وجدنا أنها ترجع إلى أمرين :-

الأول : النظر إلى طبيعة العقد وتكييفه.

الثاني :النظر إلى المآلات والآثار.

فالمانعون رأوا أن العقد في طبيعته ميسر وقمار، وأنه يؤدي إلى الإضرار بالمستهلكين والتجار الذي لا يتبعون نفس الأسلوب ، ويؤدي إلى لهث الناس وراء الإنفاق الذي يصل إلى الإسراف.

والذي يظهر لنا- بعد التمعن في أدلة الاتجاهين يرى أن الأدلة التي قدمها المانعون لا تنهض للمنعولا تكفي للتحريم، ولا تسلم من المناقشة، فالجوائز في بعض صورها لا تعدو أن تكون هبة مشروطة بالشراء( وهذا إذا لم يزدد السعر بسبب الجائزة) ولا تعدو أن تكون جزءا من الثمن إذا زيد في ثمن السلعة  بسبب الجائزة فأين الميسر والقمار؟؟؟

وما قيل من أن في هذا الأسلوب( احتيالا على الناس، وتوريطهم في شراء ما لا يحتاجون، وستر ما في السلعة من عيوب، وإضرارا بالتجار الذين لم يستعملوها) كلام غير مسلم؛ لأننا لو قلنا به للزم من ذلك حرمة البيع بالتقسيط، فإن فيه نفس الآثار ، ولم يقل أحد من الفقهاء بذلك.

ولذلك فإن مجمع الفقه قد جنح إلى الجواز، فجاء في قراره في الدورة الرابعة عشرة “لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط – دون الاستفادة المالية – عن طريق المسابقات المشروعة ، شريطة ألا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين ، وألا يكون في الترويج غش أو خداع أو خيانة للمستهلكين”.