يقول فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق في التلقيح الصناعي:
1 -المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشرعية الإسلامية، ولذا شُرع النكاح وحُرِّم السفاح، والتبنى.
2 – الاختلاط بالمباشرة بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده لا يعدل عنها إلا لضرورة.
3 – التداوى جائز شرعا بغير المحرَّم، بل قد يكون واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم فى واحد من الزوجين.
4 – تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جائز شرعا، فإذا نبت ثبت النسب، فإن كان من رجل آخر غير زوجها فهو محرم شرعا ويكون فى معنى الزنا ونتائجه.
5 – تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى حرام ويدخل فى معنى الزنا.
6 – أخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقيحها بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنى إنسان آخر وحيوان لداع طبى وبعد نصح طبيب حاذق مجرب بتعيين هذا الطريق.هذه الصورة جائزة شرعا.
7 – التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات لفترة معينة يعاد بعدها الجنين إلى ذات رحم الزوجة فيه إفساد لخليقة الله فى أرضه ويحرم فعله.
8 – الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل، وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا، والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه سماه الإسلام ديوثا ( الديوث هو الرجل الذى لا غيرة له على أهله ).
9 – كل طفل ناشىء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلى تماما.
10 – الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته، فإن كان عمله فى صورة غير مشروعة كان آثما وكسبه حرام، وعليه أن يقف عند الحد المباح.
11 – إنشاء مستودع تستحلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة، لتلقح بها نساء لهن صفات معينة شر مستطير على نظام الأسرة ونذير بانتهاء الحياة الأسرية كما أرادها الله .
وهذه أسئلة ترد كثيرا حول التلقيح الصناعي وحكم الإسلام فى إستعمال التلقيح الصناعى فى الإنسان:
والأسئلة على الوجه التالى:
أولا: إذا أخذ منى الزوج ولقحت به الزوجة التى لا تحمل بشرط وجود الزوجين معا؟.
ثانيا: إذا أخذ منى رجل غير الزوج ولقحت به الزوجة التى ليس بزوجها منى أو كان منيه غير صالح للتلقيح؟.
ثالثا: لو أخذ منىُّ الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة صاحب المنى لأن هذه الأخيرة لا تفرز بويضات؟.
رابعا: إذا أخذت بويضة امرأة لا تحمل ولقحت بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم بعد الإخصاب (أ) تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.(ب) وإذا كان مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة؟.
خامسا: ما وضع الزوج الذى يوافق على هذا العمل وما وضع الزوج الذى يتبنى أطفالا ولدوا بواحد من تلك الطرق، أو يستمر مع زوجته التى لقحت بمنى رجل آخر؟.
سادسا: ما حكم الطفل الذى يخرج بهذه الطرق؟.
سابعا: ما هو وضع الطبيب الذى يجرى مثل تلك الأعمال؟.
الجواب على هذه الأسئلة كالتالي:
قال الله سبحانه وتعالى { وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا } الفرقان 54 ، فى هذه الآية امتن الله سبحانه على عباده بالنسب والصهر، وعلق الأحكام فى الحل والحرمة عليهما ورفع قدرهما، ومن أجل هذه المنَّة كانت المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية، وفى هذا قال حجة الإسلام الإمام الغزالى – (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق فى تحصيل مقاصدهم، لكننا نعنى بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسلهم ومالهم.
وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة).( كتاب المستصفى للغزالى ج – 1 ص 287 )، ومن أجل ضرورة المحافظة على النسل شرع الله النكاح وحرم السفاح { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، ذلك لأن الولد ثمرة الزواج الصحيح ينشأ بين أبويه يبذلان فى سبيل تربيته والنهوض به والمحافظة عليه النفس والنفيس.
أما ولد الزنا فإنه عاد لأمه ولقومها إذ لا يعرف له أب، وبذلك ينشأ فاسدا مفسدا مهملا ويصبح آفة فى مجتمعه، وإن كان فقهاء الشريعة قد عرضوا لهذا النوع من الأولاد وحثوا على تربيته والعناية به وأصلوا أحكامه فى كتب الفقه تحت عنوان باب اللقيط، ذلك لأنه إنسان لا يسوغ إهماله وتحرم إهانته ويجب إحياؤه،{ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة 32، وذلك ارتقابا لخيره واتقاء لشره، من هنا كان حرص الإسلام على سلامة الأنساب بالدعوة إلى الزواج وتشريع أحكامه، وكل ما يضمن استقرار الأسرة منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، وبالجملة فقد نظم حياة الناس أحسن نظام وأقومه بالحكمة والعدل مع الإحسان ومراعاة المصلحة.
وإذ كان النسب فى الإسلام بهذه المثابة، فقد أحاطه كغيره من أمور الناس بما يضمن نقاءه وينفي عنه الشك، فجاء قول الرسول ﷺ كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، والمراد بالفراش أن تحمل الزوجة من زوجها الذى اقترن بها برباط الزواج الصحيح فيكون ولدها ابنا لهذا الزوج، والمراد بالعاهر الزانى، وبهذا قرر هذا الحديث الشريف قاعدة أساسية فى النسب تحفظ حرمة عقد الزواج الصحيح وثبوت النسب أو نفيه تبعا لذلك،ومن ثم فمتى حملت امرأة ذات زوج من الزنا مع رجل آخر أو من غصب، فإن حملها ينسب لزوجها لا من زنى معها أو اغتصبها، لأن فراش الزوجية الصحيحة قائم فعلا.
ومن وسائل حماية الأنساب – فوق تحريم الزنا – تشريع الاعتداد للمرأة المطلقة بعد دخول الزوج المطلق بها، أو حتى بعد خلوته معها خلوة صحيحة شرعا،كما حرم الإسلام بنص القرآن الكريم الصريح التبنى، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه إنسانا آخر نسبة الابن الصحيح لأبيه أو أمه مع أنه يعلم يقينا أنه ولد غيره، وذلك صونا للأنساب ولحفظ حقوق الأسرة التى رتبتها الشريعة الإسلامية على جهات القرابة، وفى هذا قال الله سبحانه { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، وبهذا لم يعترف الإسلام بمن لا نسب له ولم يدخله قهرا فى نسب قوم يأبونه.
ولما كانت عناية الإسلام بالأنساب والتحوط لها على هذا الوجه بدأ بتنظيم صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما ووجوب أن يكون هذا فى ظل عقد زواج صحيح تكريما لنطفة الإنسان التى منها يتخلق الولد، قال سبحانه { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } الطارق 5، 6، 7 ، { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } الإنسان 2 ، ولا تتخلق نطفة الرجل إلا إذا وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها، وقد يكون هذا الوصول عن طريق الاختلاط الجسدى الجنسى، وعندئذ يكون نسب الوليد من هذا الاتصال موصولا بأبيه متى كان قد تم فى ظل عقد الزواج الصحيح (الولد للفراش)، وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل فى رحم المرأة بغير الاتصال الجسدى، ففى شرح المنهاج لابن حجر الشافعى وحواشيه ( ج – 8 ص 230 و 231 فى كتاب العدة ) وإنما تجب عدة النكاح بعد وطء أو بعد استدخال منية أى الزواج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ومن ثم لحق النسب، أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته وهل يلحق به ما استنزله بيده لحرمته أولا للاختلاف فى إباحته كل محتمل والأقرب الأول فلا عبرة به ولا نسب يلحقه، واستدخالها من نطفة زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة ).
وعلق فى حاشية الشروانى فى هذا الموضع على قول الشارح (وقت إنزاله واستدخاله ) بقوله ( بل الشرط ألا يكون من زنا )، وفى فروع الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار عليه لابن عابدين ( ج – 2 ص 950 و 951 فى باب العدة ) أدخلت منيه فى فرجها هل تعتد فى البحر بحثا نعم لاحتياجها لتعرف براءة الرحم وفى النهر بحثا إن ظهر حملها نعم وإلا لا ) وعلق ابن عابدين بقوله أى منى زوجها من غير خلوة ولا دخول ولم أغير حكم ما إذا وطئها فى دبرها أو أدخلت منيه فى فرجها ثم طلقها من غير إيلاج فى قبلها،وفى تحرير الشافعية وجوبها فيهما، ولابد أن يحكم على أهل المذهب به فى الثانى، لأن إدخال المنى يحتاج إلى تعرف براءة الرحم أكثر من مجرد الإيلاج.
ثم نقل عن البحر عن المحيط ما نصه إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه فى شىء فاستدخلته فرجها فى حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له،فهذا الفرع يؤيد بحث صاحب البحر ويؤيده أيضا إثباتهم العدة بخلوة المجبوب وما ذلك إلا لتوهم العلوق منه بسحقه )،وفى التعليق على عدة الموطوءة بشبهة قال ابن عابدين ( المرجع السابع ص 939 والبحر الرائق لابن نجيم شرح كنز الدقائق ص 128 ج – 4 ) ( ومنه ما فى كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته منى زوج أو سيد عليها العدة كالموطوءة بشبهة، قال فى البحر ولم أره لأصحابنا والقواعد لاتأباه لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم ).
هذه الأقوال لفقهائنا تصريح بأن شغل رحم المرأة بنطفة الرجل وحدوث الحمل قد يحدث بغير الاتصال العضوى بينهما وتترتب عليه الآثار الشرعية من عدة نسب، وإذ كان ذلك وكان الفقهاء قد رتبوا على إدخال الزوجة منى زوجها فى موضع التناسل منها، وكذلك الجارية إذا أدخلت منى سيدها وحملت ثبت النسب من الزوج أو من السيد، ووجبت العدة تعين النظر فيما جاء بهذا الطلب من تساؤلات على هدى ما تقدم.
وعن السؤال الأول: لمَّا كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظا للنوع الإنسانى، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية فى جسد كل منهما أضحى هذا الواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده واعتمل فى نفسه حتى تستقر النطفة فى مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التى خلقها فى كل منهما لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون بواحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدى المعتاد مرضا أو فطرة وخلقا من الخالق سبحانه، فإذا كان شىء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جاز شرعا إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت النسب تخريجا على ما قرره الفقهاء فى النقول المتقدمة من وجوب العدة وثبوت النسب على من استدخلت منى زوجها فى محل التناسل منها.
وعن السؤال الثانى: تلقيح الزوجة بمنى رجل آخر غير زوجها سواء لأن الزوج ليس به منى أو كان به ولكنه غير صالح محرم شرعا، لما يترتب عليه من الاختلاط فى الأنساب، بل ونسبه ولد إلى أب لم يخلق من مائه، وفوق هذا ففى هذه الطريقة من التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه، والزنا محرم قطعا بنصوص القرآن والسنة.
وعن السؤال الثالث: وصورته تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى، هذه الصورة كسابقتها تدخل فى معنى الزنا، والولد الذى يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين، لالتقائه مع الزنا المباشر فى اتجاه واحد، إذ أنه يؤدى مثله إلى اختلاط الأنساب، وذلك ما تمنعه الشريعة الإسلامية التى تحرص على سلامة أنساب بنى الإنسان، والابتعاد بها عن الزنا وما فى معناه ومؤداه، ذلك لأنه وإن كان المنى هو للزوج ولكنه – كما هو معروف – لا يتخلق إلا بإذن الله وحين التقائه ببويضة الزوجة – وهذه الصورة افتقدت فيها بويضة الزوجة وجىء ببويضة امرأة أخرى، ومن ثم لم تكن الزوجة حرثا فى هذه الحال لزوجها مع أن الله سمى الزوجة حرثا له فقال { نساؤكم حرث لكم } البقرة 223 فكل ما تحمل به المرأة لابد أن يكون نتيجة الصلة المشروعة بين الزوجين سواء باختلاط أعضاء التناسل فيهما كالمعتاد أو بطريق استدخال منيه إلى ذات رحمها ليتخلق وينشأ كما قال الله سبحانه { يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث } الزمر 6 ، وإذ كانت البويضة فى هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المنى وإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين، بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فلا حرث فعلا، أو اعتبارا بين الزوجين ينبت به الولد فصارت هذه الصورة فى معنى الزنا المحرم قطعا كسابقتها.
وعن السؤال الرابع:(أ) وصورته أن تؤخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقح بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وبعد الإخصاب والتفاعل بينهما تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى، فى هذه الصورة إذا ثبت قطعا أن البويضة من الزوجة والمنى من زوجها وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنى إنسان آخر أو حيوان، وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء كمرض بالزوجة يمنع الاتصال العضوى مع زوجها أو به هو قام المانع، ونصح طبيب حاذق مجرب بأن الزوجة لا تحمل إلا بهذا الطريق، ولم تستبدل الأنبوبة التى تحضن فيها بويضة ومنى الزوجين بعد تلقيحهما، كان الإجراء المسئول عنه فى هذه الصورة جائزا شرعا، لأن الأولاد نعمة وزينة وعدم الحمل لعائق وإمكان علاجه أمر جائز شرعا، بل قد يصير واجبا فى بعض المواطن، فقد جاء أعرابى ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج – 8 ص 200 فى أبواب الطب ) فقال يا رسول الله أنتداوى؟ قال نعم. فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، رواه أحمد، فهذه الصورة والصورة فى السؤال الأول من باب التداوى مما يمنع الحمل والتداوى بغير المحرم جائز شرعا، بل قد يكون التداوى واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس أو علاج العقم فى واحد من الزوجين، وصورته هل يجوز أن تحل مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة؟. إنه لما كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات، فإذا مرت هذه البويضة الملقحة بمراحل النمو التى قال عنها القرآن الكريم { ثم جعلناه نطفة فى قرار مكينثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العقلة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } المؤمنون 13 ، 14 ، سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه الأنثى التى اغتذى بدمها فى رحمها وائتلف معها حتى صار جزءا منها، فإذا تم خلقه وآن خروجه يدب على الأرض كان مخلوقا آخر، ألا ترى حين ينزو الحمار على الفرس وتحمل، هل تكون ثمرتهما لواحد منها؟، إنه يكون آخر صورة وطبيعة. هذا إن بقيت البويضة بأنثى غير الإنسان إلى حين فصالها، أما إن انتزعت بعد التخلق وانبعاث الحياة فيها وأعيدت إلى رحم الزوجة فلا مراء كذلك فى أنها تكون فد اكتسبت الكثير من صفات أنثى الحيوان التى احتواها رحمها، فإنه كان غذاؤها وكساؤها ومأواها، ولا مرية فى أن هذا المخلوق يخرج على غير طباع الإنسان، بل على غرار تلك التى احتضنه رحمها، لأن وراثة الصفات والطباع أمر ثابت بين السلالات حيوانية ونباتية، تنتقل مع الوليد وإلى الحفيد ذلك أمر قطع فيه العلم ومن قبله الإسلام { ألا يعلم من خلق } الملك 14 .
يدلنا على هذا نصائح الرسول ﷺ وتوجيهاته فى اختيار الزوجة فقد قال تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ( فتح البارى شرح صحيح البخارى ج – 9 ص 102 باب أى النساء خير ) وقال إياكم وخضراء الدمن – وهى المرأة الحسناء – فى المنبت السوء ( رواه الدار قطنى من حديث أبى سعيد الخدرى – احياء علوم الدين ج – 4 ص 724 ) هذه التوجيهات النبوية تشير إلى علم الوراثة، وأن إرث الفضائل أو الرذائل ينتقل فى السلالة، ولعل الحديث الشريف الأخير واضح الدلالة فى هذا المعنى، لأن لفظ (الدمن) تفسره معاجم اللغة بأنه ما تجمع وتجمد من السرجين وهو روث الماشية، فكل ما نبت فى هذا الروث وإن بدت خضرته ونضرته إلا أنه يكون سريع الفساد، وكذلك المرأة الحسناء فى المنبت السوء تنطبع على ما طبعت عليه لحمتها وغذيت به.
ولعل نظرة الإسلام إلى علم الوراثة تتضح جليا من هذا الحوار الذى دار بين رسول الله ﷺ وضمضم بن قتادة إذ قال (يا رسول الله إن امرأتى ولدت غلاما أسود، قال هل لك من إبل؟قال نعم، قال فما ألوانها؟ قال حمر، قال هل فيها من أورق قال نعم، قال فأنى ذلك؟ قال لعله نزعه عرق، قال فلعل ابنك هذا نزعه عرق) رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة ( بلوغ المرام لابن حجر العسقلانى وشرحه سبل السلام للصنعانى ج – 3 ص 246 فى باب اللعان ).
وبهذا نرى أن تلك البويضة الملقحة التى نقلت إلى رحم أنثى غير الإنسان تأخذ منه مالا فكاك لها منه إن قدرت لها الحياة والدبيب على الأرض، وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة الإنسان لا يكون إنسانا بالطبع والواقع، ومن فعل هذا يكون قد أفسد خليقة الله فى أرضه.
ومن القواعد التى أصلها فقهاء الإسلام أخذا من مقاصد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، يدل لهذا قول الله سبحانه { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وقول رسول الله ﷺ (إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه).( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى فى القاعدة الرابعة ) وإذا كان فى التلقيح بهذه الصورة مفسدة أى مفسدة فإنه يحرم فعله.
وعن السؤال الخامس: تقدم القول بجواز التلقيح بالطريق المبينة فى السؤال الأول وبالطريقة المبينة كذلك فى الفقرة الأولى من السؤال الرابع بشرط التحقق قطعا من تلقيح بويضة الزوجة بمنى زوجها دون غيره ودون اختلاط بمنى رجل آخر أو منى أى حيوان، وبشرط وجود داع وضرورة لسلوك واحد من هذين الطريقين، كأن يكون بأحد الزوجين مانع يعوق الحمل عند اختلاطهما عضويا.
وتقدم القول كذلك بأن باقى طرق التلقيح المطروحة فى هذه التساؤلات محرمة، إما لأنها فى معنى الزنا وإما درءا للمفاسد التى تحملها، ولما كان ذلك فإن الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا لنه مشكوك فى أبوته له، بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة من رجل آخر أو حيوان، وبهذا يكون أشد نكرا من التبنى بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه ولدا يعرف قطعا أنه ابن غيره، لأنه مع هذا المعنى قد التقى مع الزنا، والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال، ومن ثم فقد سماه الإسلام ديوثا، وهذا هو شأن الرجل الذى يستبقى زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق المحرمة التى لا تقرها الشريعة، لأنها لا تبتغى فى أحكامها كمال بنى الإنسان ونقاءهم.&هذا والتبنى على أى صورة قد حرمه القرآن فى محكم آياته كما تقدم القول فى ذلك..
وعن السؤال السادس: لما كان ما تقدم كان كل طفل ناشىء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى حسبما تقدم بيانه لقيطا لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تماما إذ ينسب لأمه فقط، وهنا نضع أمام الزواج حديث أبى هريرة رضي الله عنه ( بلوغ المرام وشرحه سبل السلام ص 246 ج – 3 فى باب اللعان ) أخبر أنه سمع رسول الله ﷺ يقول حين نزلت آية المتلاعبين (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه – أى يعلم أنه ولده – احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين). ( تعليق : السلام ج – 3 ص 195 بلفظ ولن يدخلها الله جنته وبالرجوع الى النسائى ج – 3 ص 179.المطبعة المصرية بالأزهر باعتباره مصدرا لسبل السلام.، تبين أن هذا الحديث ورد بلفظ (عن أبى هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول حين نزلت آية الملاعنة، أيما امرأة أدخلت على قوم رجلا ليس منهم فليست من الله فى شىء ولا يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله عز وجل منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة)) هذا قضاء الله على لسان رسوله ﷺ { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور 63.
وعن السؤال السابع: ما هو وضع الطبيب الذى يجرى التلقيح بهذه الصورة إن الإسلام أباح التداوى من العلل والأمراض، ففى الحديث الشريف الذى رواه ابن ماجه والترمذى وصححه عن أسامه بن شريك قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال نعم. عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء ، إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم، وفى صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله ﷺ قال (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله تعالى )، ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى فى باب اباحة التداوى ج – 8 ص 200 )
لما كان ذلك وكان التداوى بالمباح أمرا جائزا فى الإسلام، بل قد يصير واجبا حفظا لنفس الإنسان من الهلاك، فإن الطبيب هو الوسيلة إلى التداوى بتشخيص الداء ووصف الدواء تبعا لخبرته وتجربته وعلمه، ومن ثم كانت مسئوليته إذا قصر أو أهمل أو سلك طريقا محرما فى الإسلام.&وإذا كان الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته تعين أن ينظر إلى كل صورة يجريها حتى يتحدد وضعه ومسئوليته شرعا، فإن كانت الصورة مما تبين تحريمه قطعا على الوجه المبين فى الأجوبة عن الأسئلة الثانى والثالث والفقرة (ب) من السؤال الرابع كان الطبيب آثما وفعله محرما، لأن الإسلام إذا حرم شيئا حرم الوسائل المفضية إليه حتى لا يكون ذريعة للتلبس بالمحرم، ولقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أساس قاعدة سد الذرائع بتحريم الوسائل المؤدية إلى المحرم، فهذا قول الله تعالى { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الأنعام 108 ، وقول الرسول ﷺ الذى رواه أربعة من صحابته (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) ( رواه أبو داود – المنتخب من السنة المجلد التاسع من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية )
ففى الآية الكريمة تأصيل لقاعدة سد الذرائع فقد نهت عن سب آلهة المشركين حتى لا يعتدوا ويتخذوا هذا ذريعة لسب الله ورسوله.&وفى الحديث الشريف دليل على أن من أعان على محرم كان آثما إثم مرتكبه، ولقد حرم الإسلام النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية أو الخلوة بها ، لأن الخلوة والنظرة من وسائل الوقوع فى المحرم وهو الزنا، كما حرم على المسلم المشى إلى مكان ترتكب فيه الكبائر كحانة الخمر أو بيت القمار حتى لا يقع فيه، ومن هذا القبيل جاء الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه).
وإذا كان ذلك وكانت هذه النصوص وغيرها من القرآن الكريم والسنة الشريفة قد وضعت أصلا قويما فى سد الذرائع، فمتى أدى العمل أو الوسيلة إلى محرم صار محرما كذلك، لما كان ذلك فإذا أعان الطبيب لعلمه وعمله فى التلقيح الصناعى على حصوله بالصور غير المشروعة بل والمحرمة بالبيان السالف يكون آثما إذ – كما تقدم – ما كان وسيلة للمحرم يكون محرما شرعا، ويكون كسبه فى هذه الحال كسبا محرما غير مشروع، وعليه أن يقف عند الحد المباح، وهو منحصر فى تلقيح بويضة زوجة بنطفة زوجها بإدخالها رحمها، أو باستنباتها بعد التلقيح فى (أنبوبة) إلى حين ثم تستدخل فى رحم ذات الزوجة، كما هو مبين فى الجواب عن السؤال الأول والفقرة الأولى (أ) من السؤال الرابع وبالشروط المبينة فيهما، إذا تم ذلك كان العمل مشروعا لا إثم فيه ولا حرج ولا حذر من اختلاط الأنساب أو وقوعه فى دائرة الزنا، لأن التحقق تام من أن المنى والبويضة الملقحين للزوجين فقط لم يختلطا بمنى إنسان آخر أو منى حيوان، وبهذا يقع فى دائرة إباحة التداوى التى قد تكون سبيلا للزرق بولد شرعى تمتد به ذكرى والديه بعد مماتهما، ومن بعد أن تكتمل به سعادتهما النفسية والاجتماعية فى هذه الحياة، وقد تدوم وتتأكد بينهما المودة والرحمة بهذا المولود الشرعى.
هذا ولا يغيبن عن البال أن الإسلام فى تكريمه للانسان والحفاظ على نوعه واستمرار نسله يعمر الأرض إلى أن يشاء الله، حريص على أن يعيش فى أسرة متوادة متحابة متعارفة لا جماعات تقطعت أوصالها وانحلت عصباتها وغاضت أرحامها، فهو يأمر بتكوين الأسرة ويحمل الوالدين عبء أولادهما صغارا من التعليم والتربية الجسدية والنفسية والعلمية وطرق اكتساب المال الحلال ، ويضع على عاتق الأب ولاية النظر الدائم فى مصلحة أولاده وإن ارتفعت ولاية الجبر عليهم، ومن هذه الولاية أن يكسبهم خبرته فى الحياة ويتولى النصح والإرشاد.
من هنا لا يجوز فى نطاق الإسلام الانطلاق فى عمل التلقيح الصناعى، بمعنى نقل منى الرجل أى رجل وتلقيحه ببويضة امرأة أى امرأة، لأن تلك تجارب تصلح لتحسن السلالات ومحلها بين أنواع مختلفة من الحيوان لا تعرف لها أبا ومن النبات تسمق سيقانه حاملة وفير الثمرات وذلك أمر مشروع، ومن هنا كان القول الحكيم القديم اليتيم من ابن آدم من مات أبوه ومن الحيوان من ماتت أمه.&فإذا نحن انطلقنا فى مجال التلقيح الصناعى فى الإنسان وأنشأنا مستودعا (بنكا) تستحلب فيه نطف الرجال الأذكياء أو ذوى الأجسام الأقوياء لتلقح بها أنثى رشيقة القوام سريعة الفهم لإثراء الصفات فى الجنس البشرى كان هذا شرا مستطيرا على نظام الأسرة ونذير انتهاء الحياة الأسرية، كما أرادها الله، فمن باب سد الذرائع، وحفظا لروابط الأسرة وصونا للأنساب يحرم الإسلام الانطلاق فى التلقيح الصناعى لتوالد الإنسان ولا يجيزه – كما سبق – إلا بين الزوجين بالشروط المتقدم بيانها.&وبديلا لهذه البنوك وجه الإسلام الإنسان إلى المحافظة على قوة نسله، وسلامة نفسه وجسده، وذلك بإحسان اختيار كل من الزوجين للآخر، وإلى الاغتراب فى الزواج، بمعنى ترك الزواج بين ذوى القربى القريبة حتى لا يضوى النسل ويضعف، كما قال عمر بن الخطاب ناصحا إحدى القبائل (قد أضويتم فانكحوا الغرائب) وقيل قديما بنات العم أصبر والغرائب أنجب هذه هى المعايير المشروعة التى يقرها الإسلام للحفاظ على النسل – نسل الإنسان سليما قويا لا تلك التى يتنادى بها بعض الناس مقلدين أقواما أغوتهم المادية وانغمسوا فيها وتحللوا من كل قيم الدين، فحسبوا الإنسان ونسله مزرعة تجارب كأى مزرعة للنبات أو الحيوان مع أن الله قد كرم الإنسان وأعلى قدره وسخر له ما فى السموات والأرض.{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } الأنفال 24 ، 25 .