يقول الدكتور السيد صقر، المدرس بجامعة الأزهر:
التطهر من البول يكون بغسل أثره ، بعد الاستبراء منه، أي بغسل الذكر بعد العلم بانتهاء خروجه.
فالتطهر للرجل يكون بأمرين : الاستبراء ، والاستنجاء.
والاستنجاء: إزالة ما يخرج من السبيلين، سواء بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه، واختلف الفقهاء حول حكمه فيرى المالكية والشافعية والحنابلة أنه واجب، ويرى الحنفية أنه سنة، وتزال النجاسة بأي شيء سواء كان الماء أو الحجر أو القماش أو المناديل الورقية أو غيرها من كل ما يزيل عين النجاسة حتى ولو بقي أثرها.
ويرى بعض العلماء أن سلت الذكر- مسحه من أصله إلى رأسه مع نتره ثلاثا- واجب بينما يرى بعضهم أنه مستحب . ويرى بعض منهم أنه ليس واجبا ولا مستحبا بل بدعة مكروهة وعلى المسلم أن يغسل ذكره فور انقطاع البول ويقوم، ويرش شيئا من الماء على إزاره حتى إذا رأى بللا حمله على هذا الذي رشه، ويرى الجميع أنه لا يلتفت إلى الوسوسة.
واستدل الجمهور على الوجوب بقول النبي ـ ﷺ ـ : (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ، يستطيب بهن ، فإنها تجزيء عنه) وقوله : (لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار) رواه مسلم وفي لفظ له : (لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة أحجار) ، قالوا : والحديث الأول أمر ، والأمر يقتضي الوجوب . وقال : ( فإنها تجزيء عنه) والإجزاء إنما يستعمل في الواجب ، ونهى عن الاقتصار على أقل من ثلاثة ، والنهي يقتضي التحريم ، وإذا حرم ترك بعض النجاسة فجميعها أولى .
ويرى الحنفية أنه مسنون وليس بواجب . وهو قول الحنفية ، ورواية عن مالك . ففي منية المصلي : الاستنجاء مطلقا سنة لا على سبيل التعيين من كونه بالحجر أو بالماء ، وهو قول المزني من أصحاب الشافعي . ونقل صاحب المغني من قول ابن سيرين فيمن صلى بقوم ولم يستنج ، قال : لا أعلم به بأسا .
قال الموفق : يحتمل أنه لم ير وجوب الاستنجاء.
واحتج الحنفية بما في سنن أبي داود من قول النبي ﷺ ( من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ) قال في مجمع الأنهر : لأنه لو كان واجبا لما انتفى الحرج عن تاركه.
واحتجوا أيضا بأنه نجاسة قليلة ، والنجاسة القليلة عفو .
وفي السراج الوهاج للحنفية : الاستنجاء خمسة أنواع . أربعة فريضة : من الحيض والنفاس والجنابة ، وإذا تجاوزت النجاسة مخرجها . وواحد سنة ، وهو ما إذا كانت النجاسة قدر المخرج .
وقد رفض ابن نجيم هذا التقسيم ، وقرر أن الثلاثة هي من باب إزالة الحدث ، والرابع من باب إزالة النجاسة العينية عن البدن ، وليس ذلك من باب الاستنجاء ، فلم يبق إلا القسم المسنون .
وقال القرافي بعد أن ذكر أن من ترك الاستنجاء وصلى بالنجاسة أعاد ، قال : ولمالك رحمه الله في العتبية : لا إعادة عليه ، ثم ذكر الحديث المتقدم : ( من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ) وقال : الوتر يتناول المرة الواحدة ، فإذا نفاها لم يبق شيء ، ولأنه محل تعم به البلوى فيعفى عنه ، وهذا يقتضي أن عند مالك قولا بعدم الوجوب . ثم هو عند الحنفية سنة مؤكدة لمواظبته ﷺ .
وبنى ابن عابدين على ذلك كراهة تركه ، ونقله أيضا عن البدائع . ونقل عن الخلاصة والحلية نفي الكراهة ، بناء على أنه مستحب لا سنة ، بخلاف النجاسة المعفو عنها في غير موضع الحدث فتركها يكره .
اهـ ملخصا من الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية.
إزالة النجاسة بغير الماء:
والمطلوب شرعًا هو إزالة النجاسة، وكانوا قديمًا يستخدمون الحجارة، وعرفت حديثًا المناديل الورقية،أو الورق،وقد أجازها كثير من العلماء مادامت تزيل النجاسة،ولا تبقي شيئًا منها،ويأخذ القماش حكمها،ولكن الأفضل هو التنظف بالماء، ولا مانع بعدها من استعمال الورق أو القماش، لتنشيف الماء حول القبل والدبر.
وقد أثنى الله تعالى على الصحابة من الأنصار،لأنهم كانوا يستنجون بالماء، في وقت كان الناس يستعملون الحجارة،فقال تعالى:”لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا،والله يحب المطهرين.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى- :-
رأى بعض العلماء أن على الإنسان بعد أن يفرغ من حاجته أن يمسح بيده اليسرى من أصل ذكره، فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر، والإبهام فوق من مجامع العروق إلى رأسه، لئلا يبقى شيء من البلل في ذلك المحل، ثم ينتره ثلاثا برفق، وروي في ذلك حديث ضعيف، قالوا: لأنه بالنتر يستخرج ما عساه يبقى ويخشى عوده بعد الاستنجاء.
وهذا هو الاستبراء فيما يرون، وإن احتاج أن يمشي خطوات مشى.
ومن العلماء من يستحب هذا، ومنهم من يوجبه. قال الدردير في (الشرح الصغير) في الفقه المالكي: يجب على من يقضي حاجته أن يستبرئ: أي يستخلص مجرى البول من ذكره بسلته حتى يخرج ما فيه من البول. والنتر: جذبه.
وأن يكون كل منهما برفق حتى يغلب على الظن خلوص المحل، ولا يتبع الأوهام؛ فإنه يورث الوسوسة، وهي تضر بالدين.
قال الصاوي معلقا على قوله: ” ولا يتبع الأوهام “: أي فإذا غلب على ظنه انقطاع المادة من الذكر: ترك السلت والنتر، وما شك في خروجه بعد الاستبراء كنقطة، فمعفو عنها.. كما علق على قوله عن الوسوسة: إنها تضر بالدين، فقال: ولذلك قال العارفون: إن الوسواس سببه خبل في العقل، أو شك في الدين.
رأي ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
أما ابن تيمية، فلا يرى السلت والنتر واجبا ولا مستحبا على الصحيح. أما الوقوف والمشي خطوات، والقفز والصعود على السلم، وغيرها، فهو يرى كل ذلك بدعة من عمل الموسوسين، شددوا بها على أنفسهم، ليس لها أساس في الدين، ولم يجئ بها كتاب ولا سنة، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم، ولا من تبعهم بإحسان، ولم يستحبها أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة.
ولهذا: يجب إنكارها عليهم، وردهم إلى منهج اليسر الثابت بكتاب الله وبسنة رسول الله.
وكذلك سلت البول بدعة، لم يشرع ذلك رسول الله ﷺ. والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع (أي كاللبن في الضرع) إن تركته قَرَّ، وإن حلبته دَرّ.
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه. وقد يخيل إليه أنه خرج منه، وهو وسواس، وقد يحس من يجده بردا لملاقاة رأس الذكر، فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج.
والبول يكون واقفا محبوسا في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عُصِر الذكر أو الفرج بحجر أو أصبع أو غير ذلك: خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء، لا بحجر، ولا إصبع، ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره، فإنه يرشح دائما.
والاستجمار بالحجر (ومثله: التنظيف بالورق) كاف لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء.
وأما من به سَلَسُ البول ـ وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع ـ فهذا يتخذ حفاظا يمنعه، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي، وإلا صلى وإن جرى البول ـ كالمستحاضة ـ تتوضأ لكل صلاة. انتهى كلام ابن تيمية .
ولعل أعدل ما قيل هنا وأقربه ما قاله الشافعي في (الأم): يستبرئ البائل من البول لئلا يقطر عليه. قال: وأحب إليّ أن يقيم ساعة (أي برهة) قبل الوضوء وينتر ذكره.
ونقل النووي في (المجموع) عن عدد من فقهاء الشافعية: أنه يستحب الصبر برهة بعد الاستنجاء، ونتر الذكر مع التنحنح.
والمختار: أن ذلك يختلف باختلاف الناس. والمقصود: أن يظن أنه لم يبق في مخرج البول شيء يخاف خروجه. فمن الناس من يحصل له هذا المقصود بأدنى عصر. ومنهم من يحتاج إلى تكراره. ومنهم من يحتاج إلى تنحنح، ومنهم من يحتاج إلى أن يمشي خطوات، ومنهم من يحتاج إلى صبر لحظة، ومنهم من لا يحتاج إلى شيء من هذا. وينبغي لكل أحد ألا ينتهي إلى حد الوسوسة.
قال: قال أصحابنا: وهذا الأدب ـ وهو النتر والتنحنح ونحوهما ـ مستحب، فلو تركهما فلم ينتر ولم يعصر الذكر، واستنجى عقيب انقطاع البول، ثم توضأ، فاستنجاؤه صحيح، ووضوؤه كامل، لأن الأصل عدم خروج شيء آخر. قالوا: والاستنجاء يقطع البول، فلا يبطل استنجاؤه ووضوؤه، إلا أن يقطع بخروج شيء.
وقال الشربيني الخطيب في (الإقناع):
وإنما لم يجب الاستبراء ـ كما قال به القاضي والبغوي وجرى عليه النووي في شرح مسلم، لقوله ﷺ: “تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه” ـ لأن الظاهر انقطاع البول عدم وعوده. ويحمل الحديث على ما إذا تحقق أو غلب على ظنه بمقتضى عادته: أنه إذا لم يستبرئ، خرج منه.
قال: ويكره حشو مخرج البول بنحو قطن.. وإطالة المكث (بلا حاجة) في محل قضاء الحاجة .والله أعلم .
وجاء في تفسير القرطبي حول فضل التطهر بصفة عامة :
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ لأهل قباء: (إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء في التطهر فما تصنعون) ؟ قالوا: إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء”; رواه أبو داود.
وروى الدار قطني عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريون عن رسول الله ﷺ في هذه الآية “فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين” فقال: (يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في الطهور فما طهوركم هذا) ؟ قالوا: يا رسول الله، نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة.
فقال رسول الله ﷺ: (فهل مع ذلك من غيره) ؟ فقالوا: لا غير، إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء.
قال: (هو ذاك فعليكموه) أي عليكم به، والتزموه.
فأثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على من أحب الطهارة وآثر النظافة، وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية.
وفى الترمذي عن عائشة رضوان الله عليها أنها قالت: (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم).قال: حديث صحيح.