بيع الكلاب وشراؤها محل خلاف بين الفقهاء وما نرجحه هو جواز البيع والشراء إن كانت هناك حاجة ملحة للحراسة، أما بيعها وشراؤها من أجل الزينة والتقليد الأعمى ومصاحبتها في كل مكان خارج وداخل البيت فهذا تقليد أعمى وافد إلينا من غيرنا ويصطدم بشريعتنا وقيمنا وأخلاقنا وبالتالي يحرم البيع والشراء إن كان بهذا القصد.

وتفصيل الفقهاء حول هذه المسالة .

ذهب الشافعية والحنابلة، وهو المشهور عند المالكية إلى عدم صحة بيع الكلب،  أي كلب  كان ولو كان معلما، للحديث الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه،  أن رسول الله (نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصورين ) .

 وفرق بعض المالكية بين الكلب المأذون باتخاذه وبين غيره، فأجازوا بيع الأول، واختلفوا في الثاني .

وأما الحنفية، فذهبوا إلى صحة بيع الكلب أي كلب كان حتى العقور .

وجاء في المغني :وبيع الكلب باطل، وإن كان معلما  لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل، أي كلب كان . وبه قال الحسن، وربيعة، وحماد، والأوزاعي، والشافعي، وداود . وكره أبو هريرة ثمن الكلب . ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله، وعطاء،  والنخعي . وجوز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها، وأخذ ثمنها، وعنه رواية في الكلب العقور، أنه لا يجوز بيعه .

واختلف أصحاب مالك، فمنهم من قال: لا يجوز . ومنهم من قال : الكلب المأذون في إمساكه، يجوز بيعه، ويكره ….

  وجاء في بدائع الصنائع:ولنا : أن الكلب مال، فكان محلا للبيع كالصقر، والبازي، والدليل على أنه مال أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق فكان مالا، ولا شك أنه منتفع به حقيقة، والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة، والاصطياد مطلق شرعا في الأحوال كلها فكان محلا للبيع؛ لأن البيع إذا صادف محلا منتفعا به حقيقة مباح الانتفاع به على الإطلاق مست الحاجة إلى شرعه ؛ لأن شرعه يقع سببا، ووسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة إذ الحاجة إلى قطع المنازعة فيما يباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق لا فيما يجوز .

( وأما ) الحديث فيحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام ؛ لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب فأمر بقتلها، ونهى عن بيعها مبالغة في الزجر أو يحمل على هذا توفيقا بين الدلائل قوله : أنه نجس العين، قلنا : هذا ممنوع فإنه يباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق اصطيادا، وحراسة . ونجس العين لا يباح الانتفاع به شرعا إلا في حالة الضرورة كالخنزير. 

   ولنا تعقيب على هذه المسألة،فكلام السادة الفقهاء جيد سواء من أجاز بيع الكلب أو من منعه، لكن الظروف تغيرت الآن وأصبحت تجارة الكلاب ليست قاصرة على رجل يشتري كلبا لحراسة ماشيته أو زراعته أو بيته، بل انتقلت إلينا العدوى من الغرب والشرق الذي يعتني بالكلاب إطعاما وتربية وتنظيفا أكثر من عنايته بالإنسان نفسه، وأصبحنا نسمع عن أرقام لا يصدقها العقل في أثمان الكلاب حسب سلالتها وبلد مولدها، وعايشت الكلاب الناس في سيارتهم الفارهة، وبيوتهم الفخمة حتى يكاد الإنسان يشعر بالغيرة من هذه الكلاب!!.

لم تكن هذه التصرفات تخطر ببال الفقهاء القدامى ولو خطرت ببالهم ما ترددوا في تحريم بيعها وشرائها وتربيتها على هذا النحو لأنه من السفه ومن إضاعة المال، وأنه يعارض سلم الأولويات لدى المسلم العاقل ويتنافى مع فقه المقاصد.

 ولذلك لا نتردد في تحريم كل هذه التصرفات، ولا يجوز منها إلا ما يتخذ للحراسة ـ حال الضرورة ـ فالذي ينفق على كلاب الحراسة شراء وتربية وطعاما وشرابا يكفي لاستئجار مجموعة من الحراس الذين يعملون بالحراسة ويعولون من وراءهم، أو يستفاد من بعض هذه السلالات في البحث الجنائي وغير ذلك من الأمور التي تعود بالنفع على عموم الأمة، أما تربيتها من باب الترف والتقليد الأعمى الممقوت فلا يجوز بحال.

ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر –رحمه الله- في كتابه يسألونك..:

من العادات السيئة الشائعة بين أهل العصر تربية الكلاب للتدليل والهواية كما يقولون، كثير من الذين يفعلون ذلك يُسرفون إسرافًا شائنًا في الإنفاق على هذه الكلاب المدلّلة، ويعاملونها معاملة مترفة، يتمنَّى كثير من الناس أن يُلاقوا مثلها أو قريبًا، فهم يربون هذه الكلاب على أفخر الثياب، وهم يطعمونها أفخمَ الطعام، وهم يعالجونها عند الأطباء من مختلف الأمراض، حتى لو كان المرض عارِضًا يسيرًا كالبردِ والزكام، وهم يعلقون في رقابها الأطواق الفضية أو الذهبية، وهم يصطحبونها معهم في السيارات والرّحلات وغرف النوم … إلخ.

ولو رجعنا إلى الدين الحنيف، لوجدناه سهلاً سمحًا، فهو لا يمنع من اقتناء الكلب لغرض مشروع، كالصيد مثلاً، فالقرآن الكريم يقول في سورة المائدة:( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ، قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، ومَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ، مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ واذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، واتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسابِ ) [المائدة 4].

فقد استدل الفقهاء بالآية على جواز اقتناء الكلاب للصيد بعد تعليمها ذلك. وقد قال النبي ـ ـ لسعد بن حاتم:” إذا أرسلت كِلابك المعلّمة، وذكرت اسم الله، فكلْ مِمّا أمسكن عليك، إلا أن يأكل الكلب( أي من الفَريسة المصيدة ) فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه . وفي رواية : ” إذا أرسلت كلبك المعلَّم فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حَيًّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه، فكله فإن أخذ الكلب زكاة “.

وذكر القرطبي عند ذكره هذه الآية أنها تدل على جواز اقتناء الكلاب لأنه من الجوارح، والآية تذكر أنه أباح لعباده الطيِّبات، كما أباح الجوارح المعلمة المعوَّدة على الصيد، وهذا يفهم أنه يجوز شراء الكلب وبيع الكلب والانتفاع به بسائر وجوه المنافع.

وكذلك نفهم من السنة المطهرة أن الكلاب يجوز اقتناؤها لحراسة زرع أو ماشية أو دار أو غنم، وقد نفهم أيضًا أن تتخذ الكلاب في المنافع البوليسيّة المتعلقة بالأمن وضبط الجرائم والمجرمين، عن طريق تتبع الأثر ونحوه.

ولكنا نجد في الحديث النبوي الشريف قول الرسول :” مَنِ اقتنَى كلبًا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان”. وفي رواية لأبي هريرة: ” من اتخذ كلبًا، إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع، انتقص من أجره كل يوم قيراط .

ولعلنا نستطيع أن نفهم أن الإسلام الحنيف لا ينظر بعين الرِّضى إلى هؤلاء العابثين اللاهين الذي يتخذون الكلاب لمجرد الهواية واللهو والتدليل، خصوصًا بعد أن عرفنا ما يتعوده هؤلاء من الإسراف في الإنفاق على هذه الكلاب، على حين يوجد من حولهم من بني الإنسان من يستحق بعد هذه العناية.أ.هـ

ويقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :

من المُقَرَّر شرعًا أن اقتناء الكلاب وتدريبها مُباح في حالة الضرورة كاتخاذها للصيد والحراسة أو في تَتَبُّع المجرمين وما شابه ذلك من حالات الضرورة المفيدة للفرد والمجتمع، وذلك لقوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لهم قُلْ أُحِلَّ لكم الطيباتُ وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارحِ مُكَلِّبينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مما عَلَّمَكُم اللهُ فكُلُوا مما أمْسَكْنَ عليكم واذْكُروا اسمَ اللهِ عليه واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سريعُ الحساب) (المائدة:4) ومعنى مُكَلِّبين: أي مُعَلِّمين لها الصيد. ويَشمل ذلك الحيوانات والطيور المُدَرَّبة على الصيد ومنها الكلاب، ومن المعلوم أن الضرورات تُبيح المَحْظورات …

وبناء على ما تقدم فإن تدريب الكلاب واقتناءها للحراسة والصيد وأعمال الحرب مع العدو واستعمالها في المنفعة الخاصة أو العامة ـ حلال ولا مانع منها شرعًا.