الإيمان في عقيدة أهل السنة والجماعة هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، يتلخص في التصديق بأركان الإيمان الستة كما أخبر النبي ﷺ في حديث جبريل عليه السلام لما جاء يسأله عن الإيمان؛ فقال ﷺ: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره)، فما هو الإيمان وما هي أركان الإيمان؟
ما هي حقيقة الإيمان؟
الإيمان هو التصديق الجازم، والإقرار الكامل، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه. وأن محمد بن عبد الله ﷺ رسول الله، وخاتم النبيين، وقبول جميع ما أخبر به ﷺ عن ربه – جل وعلا – وعن دين الإسلام؛ من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية، وبجميع مفردات الدين، والانقياد له ﷺ بالطاعة المطلقة فيما أمر به، والكف عما نهى عنه ﷺ وزجر؛ ظاهراً وباطناً، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك.
وملخص تعريف الإيمان هو جميع الطاعات الباطنة والظاهرة. أما الباطنة فهي كأعمال القلب، وهي تصديق القلب وإقراره. وأما الظاهرة فهي أفعال البدن من الواجبات والمندوبات. ويجب أن يتبع ذلك كله: قول اللسان، وعمل الجوارح والأركان، ولا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر؛ لأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.
من هنا اشتهر مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة يطلق على ثلاث خصال مجتمعة، لا يجزيء أحدهما عن الآخر، وهذه الأمور الثلاثة جامعة لدين الإسلام: (اعتقاد القلب، إقرار اللسان، عمل الجوارح). وبعبارة أخرى عندهم:
- قول القلب، وقول اللسان.
- عمل القلب، وعمل الجوارح.
ونوضح ذلك فيما يأتي:
أولاً – قول القلب وقول اللسان
قول القلب هو معرفته للحق، واعتقاده، وتصديقه، وإقراره، وإيقانه به؛ وهو ما عقد عليه القلب، وتمسك به، ولم يتردد فيه، قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33} لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} [الزمر] .
وقال النبي ﷺ: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير) [صحيح البخاري] .
قول اللسان هو إقراره والتزامه أي: النطق بالشهادتين، والإقرار بلوازمها.
قال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة … ) [صحيح البخاري] .
ثانياً – عمل القلب وعمل الجوارح
عمل القلب هو نيته، وتسليمه، وإخلاصه، وإذعانه، وخضوعه، وإنقياده، والتزامه، وإقباله إلى الله تعالى، وتوكله عليه – سبحانه – ورجاؤه، وخشيته، وتعظيمه، وحبه وإرادته.
قال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] .
وقال تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى {19} إِلَاّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى {20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل] . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه) [سنن أبو داود وهو صحيح] .
عمل الجوارح أي فعل المأمورات والواجبات، وترك المنهيات والمحرمات. مثل الصلاة، والقيام، والركوع، والسجود، والصيام، والصدقات، والمشي في مرضاة الله تعالى؛ كنقل الخطا إلى المساجد، والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أعمال شعب الإيمان.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {77} {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج].
وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا {63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان] .
عمل اللسان
ما لا يؤدى إلا به؛ كـ تلاوة القرآن الكريم ، وسائر الأذكار؛ من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والدعاء، والاستغفار، والدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان؛ فهذا كله من الإيمان.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29].
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41].
فهذه الخصال الثلاث:
(اعتقاد القلب، إقرار اللسان، عمل الجوارح) اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ فمن أتى بجميعها؛ فقد اكتمل إيمانه.
ما هي أركان الإيمان؟
الإيمان يقوم على هذه الأركان الستة؛ إذا سقط منها ركن لم يكن الإنسان مؤمناً ألبتة؛ لأنه فقد ركناً من أركان الإيمان؛ فالإيمان لا يقوم إلا على أركانه تامة، كما لا يقوم البنيان إلا على أركانه مكتملة.
لذا لا يتم الإيمان إلا بأركانه الستة جميعاً على الوجه الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة، ومن جحد شيئاً منها فليس بمؤمن، وإن ادعى الإيمان، وقام ببعض أركان الإسلام.
أركان الإيمان هي ما أخبر به الحبيب صلى الله عليه وعلى وسلم جبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان فقال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره».
فمن لم يؤمن بهذه الأركان جميعاً فهو كافر، أي لو آمن ببعضها وكفر ببعضها الأخر فهو كافر؛ لأن الذي يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها يكون كافرا بالجميع، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150-151].
أركان الإيمان بالترتيب
أركان الإيمان ستة:
2-وملائكته.
3-وكتبه.
4-ورسله.
5-واليوم الآخر.
6-والقدر خيره وشره.
أولا : الإيمان بالله: هو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.بأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى حي عليم قادر، منفرد بالربوبية وبالألوهية وبأسمائه وصفاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون.
كيف تحقق الإيمان بالله تعالى؟
هناك أربعة أمور لا بد منها لتحقيق الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
الأمرالأول: الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى
ووجود الله تعالى قد دل عليه العقل والفطرة، فضلاً عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي تدل على ذلك.
ـ أما دلالة الفطرة على وجود الله: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، ولذلك قال النبي ﷺ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658) .
ـ وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها، إذ لا يمكن أن توجِدَ نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.
الأمر الثاني: الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى
وذلك بأن الله تعالى وحده الرب لا شريك له ولا معين.
والرب هو من له الخلق، والملك، والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر للأمور إلا الله، قال الله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) الأعراف /45. وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) يونس/31.
الأمر الثالث: الإيمان بألوهية الله سبحانه وتعالى
بأنه الإله الحق لا شريك له. وكل ما اتخذ إلهاً مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة، قـال الله تعـالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج /62.
فلا يستحق أحد أن يعبد، ويفرد بالعبادة إلا الله عز وجل، لا يشاركه في هذا الحق أحدٌ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول (لا إله إلا الله) قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء /35. وقال: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/36.
الأمر الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته
إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله ﷺ من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف /180.
ثانيا: الإيمان بالملائكة: أن يؤمن الإنسان بهذا العالم من الخلق، وهم الملائكة عالم غيبي لا نشاهده إلا إذا أراد الله أن نشاهده لحكمة فهذا يقع، هذا العالم من المخلوقات خلقوا من نور، وهم مطيعون لله تعالى دائماً، يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
نعلم منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل.
-أما جبريل فهو موكل بالوحي يأتي به من الله عز وجل إلى من أوحاه الله إليه.
-وأما اسرافيل فإنه موكل بالنفخ في الصور.
-وأما ميكائيل فإنه موكل بالقطر والنبات.
-ومن الملائكة من وكلوا بحفظ بني آدم كما قال تعالى عنهم: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾.
-ومنهم من هو موكل بإحصاء أعمال ابن آدم يكتبها عليه، كما قال الله تبارك وتعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. فهم عن أيماننا وعن شمائلنا لكن لا نراهم.
وقد يُرى الملك بصورة إنسان مثلاً، كما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، جلس إلى النبي ﷺ جلسة المتأدب، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها.
والملائكة عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون، وهم عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل كما جاء في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد). «وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه»، وهذا يدل على كثرتهم العظيمة.
ثالثا: الإيمان بكتب الله: كتب الله المنزلة منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وخاتمها القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
رابعا: الإيمان بالرسل: جمع رسول وهم الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى إلى البشر، وهم من بني آدم، وكم من بني آدم فضلوا بما أعطاهم الله من النبوة والأخلاق والشمائل، نعرف منهم عدداً كبيراً، ومنهم من لم نعلم، لم يقصه الله علينا، لكن يكفينا الإجمال: أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومن علمناه بعينه آمنا به بعينه .
خامسا: الإيمان باليوم الآخر: واليوم الآخر هو يوم القيامة، وسمي آخراً لأنه لا يوم بعده.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت: كفتنة القبر وعذابه أو نعيمه؛ لأن كل من مات فقد قامت قيامته، انتهى
ويدخل في ذلك الإيمان بما يكون في ذلك اليوم من حشر العالم كلهم في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وما ذكر في ذلك اليوم من الميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والصراط المنصوب على جهنم، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاء به القرآن وصحت به السنة .
سادسا: الإيمان القدر خيره وشره: أي تقدير الله عز وجل، والله تبارك وتعالى قدر كل شيء، قال الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾. وهكذا الإيمان بالقدر يشمل أمورا أربعة: يشمل الإيمان بعلم الله بما يقع في العالم من خير وشر، ومن ظهور ممالك وسقوط أخرى، ومن آجال وأرزاق، ومن أعمال وصحة وأمراض وغير ذلك، فهو يعلم كل شيء قال تعالى : “لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا” [الطلاق:12].
ومراتب القدر أربع:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، فإن الله تعالى عالم بكل شيء كان أم لم يكن، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
المرتبة الثانية: الكتابة، فإن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، ودليل ذلك: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾. فما كتب في اللوح المحفوظ فلابد أن يقع، كما جاء في الحديث: «جفت الأقلام وطويت الصحف».
المرتبة الثالثة: الإيمان بعموم مشيئة الله عز وجل، وأنه ما في الكون من موجود ولا معدوم إلا بمشيئة الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، حتى أفعالنا نحن كائنة بمشيئة الله.
المرتبة الرابعة: الإيمان بخلق الله، أي بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن له مقاليد السماوات والأرض، حتى أعمال العباد مخلوقة لله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾. وقال تعالى :﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾.
هذه المراتب الأربع لابد من الإيمان بها، فمن نقص منها مرتبة واحدة لم يتم إيمانه بالقدر. وقوله: «خيره وشره».
وإذا قال قائل: إذا كان القدر من الله كيف يكون فيه شر؟
فالجواب: أن الشر ليس في تقدير الله، ولكن فيما قدره الله، أي: في المقدورات، أما قدر الله لها بالشر فإنه لحكمة بالغة، وبهذا الاعتبار يكون خيراً. نعم .
ما الفرق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان؟
من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة معرفة الفرق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان كما ثبت ذلك حسب ما جاء في نصوص القرآن والسنة النبوية.
الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ومعاداة أهله. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 – 163] (الأنعام: 162، 163) . وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] (آل عمران: 85) .
وأركان الإسلام خمسة، بينها رسول الله ﷺ كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله» (1) . ويدل على هذا حديث جبريل المتقدم وفيه أنه قال: «يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت» . . . إلخ).
أما الإيمان فقد سبق تعريفه بأنه اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.
أركان الإيمان ستة يدل عليها قول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177].
ومن السنة ما جاء في حديث جبريل عندما سأل النبي ﷺ وقال: «أخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت» . . . إلخ) (1) .
زيادة الإيمان ونقصانه: دل الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فالدليل من الكتاب قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] (محمد: 17) . وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] (الأنفال: 2) .
في أي آية وردت أركان الإيمان؟
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداًً} [النساء: 136].
وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [التغابن: 8].
وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285].
ما هي علامات قوة الإيمان؟
فأعظم آثار الإيمان في قلب المؤمن التزامه بشرع الله ومحافظته عليه وأن يكون واقفاً عند حدوده ونواهيه كما قال تعالى في وصف المؤمنين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51، 52].
بل قد نفى الإيمان عن أولئك الذين يتململون من أحكام الشريعة حتى ولو في بواطنهم فقال جل وعلا: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) ﴾ [النساء: 65]
إن من آمن أن الله عز وجل هو الخالق الرازق القوي القادر الذي بيده الأمر، علم يقيناً أن الخلق كلهم فقراء إليه وضعفاء من دونه لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ولهذا فإنه إذا سأل، سأل الله، وإذا استعاذ استعاذ بالله، وإذا توجه ولجأ لجأ إلى الله وحده، وإذا توكل، توكل على الله، علم يقيناً وآمن حقاً أن الله تعالى كاف عبده المؤمن فتوكل عليه واطمأن به كما قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
حفظ قول ربه تصديقاً وإيماناً ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17] فسارع إلى ربه في ملماته وحوائجه.
وإذا حلف، حلف بالله لأنه يعلم أن: (من حلف بغير الله فقد أشرك).
لا يتطير ولا يتشاءم توكلاً على الله وحسن ظنه به ورضاءً بأمره (الطيرة شرك) والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48].
يقول الرسول ﷺ: “يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله ورسوله”.
فالمؤمن إذا خطر بقلبه خواطر ووساوس شيطانية من الشك في الدين أو العبادة فعليه أن يدفعها مباشرة ولا يسترسل معها ولا يستسلم لها، بل يلجأ إلى الله تعالى في دفعها عنه حتى تزول عنه ويندحر الشيطان.
من أجلِّ آثار قوة الإيمان وصحته حب المؤمن لإخوانه في الدين ولا سيما أهل الطاعة والخير، فيحب لهم ما يحبه لنفسه “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. فهو يسعى في حاجاتهم ويشعر بمصابهم ويحزن لآلامهم حتى يكون وإياهم كالجسد الواحد “مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”.
فهو ينزل إخوانه المؤمنين منزلة نفسه وأهل بيته، فما يحبه لنفسه وأهل بيته من حصول الخير ودفع الشر يحبه لهم، وما يكرهه لنفسه وأهل بيته من حصول الشر وفوات الخير يكرهه لهم كذلك، وهذه حقيقة الإيمان وعلامة كماله وعليها تقاس درجة الإيمان.
من أعظم مقتضيات الإيمان وآثاره التي يجب أن تظهر جلية في المؤمن ولاؤه لله عز وجل ورسوله وللمؤمنين {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}.
فالولاء لله هو: محبة الله ونصرة دينه ومحبة أهل طاعته ونصرتهم.
والبراء هو: بغض أعداء الله ومجاهدتهم.
كما قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ..﴾ [المجادلة: 22]
قيل إنها نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح حين قتل أباه المشرك يوم بدر ولهذا قال عمر: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته.
وقوله تعالى {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله فهذا من كتب في قلبه الإيمان وزينه في بصيرته.
كما أن الإيمان قوة عاصمة عن الأخلاق الدنيئة، كذلك هو قوة دافعة إلى المكرمات والأخلاق الحسنة، وقد وضح النبي ﷺ أن الإيمان القوي يولد الخلق الكريم حتما، وأن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان كما مر معنا، وبحسب ضعف الإيمان يتفاقم الشر ويزداد الانهيار الأخلاقي.
ومن ثم فإن الله تعالى إذا أراد أن يدعو عباده إلى الخير أو ينهاهم عن الشر كان يناديهم بوصف الإيمان الذي يقتضي الاستجابة والسمع والطاعة لما يأمر به وينهى عنه، كقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
قال الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2-3].
فالله جل وعلا يختبر صدق إيمان عباده ويظهر حقائق معادن قلوبهم في مواقف الاختبار بالفتن من خير وشر ونعمة ومصيبة كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].
فالمؤمن متسلح بسلاح الإيمان في سرائه وضرائه وشدته ورخائه، شامخا بدينه لا يتنازل عنه ولو قليلا، في مواقف الشهوات والمجاملات ثابت على أرض الإيمان لا تهزه أعاصير الأهواء والأمزجة ولا تغير موقفه فتنة الناس ومجاراتهم، غير آبه بردود أفعالهم وأقوالهم، مستصحبا تقوى الله ومخافته حيثما كان في كل المواقف والأحوال.