ليس كل ما يسمع يصدق ، وليس كل ما يقال يكون صدقا وصوابا، فالنبي نظر إلى تلك المرأة التي جاءته واهبة له نفسها ـ وهذا من خصائصه ـ ثم صرف بصره عنها، والله أعلم بسبب ذلك ، ولكن لم يثبت أنه لم يوافق على التزوج بها لأنها لم تكن جميلة.

بل ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه ـ كما في رواية مسلم ـ :
( ‏جاءت امرأة إلى رسول الله‏ ‏ ‏فقالت يا رسول الله جئت أهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله ‏‏ ‏فصعد النظر فيها‏ ‏وصوبه‏ ‏ثم ‏طأطأ ‏رسول الله ‏ ‏رأسه فلما رأت المرأة أنه لم ‏يقض فيها ‏شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال‏ ‏فهل عندك من شيء فقال لا والله يا رسول الله فقال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله ما وجدت شيئا فقال رسول الله ‏ ‏انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا ‏إزاري‏ ‏قال‏ ‏سهل ‏ما له‏ ‏رداء‏ ‏فلها نصفه فقال رسول الله ‏ ‏ما تصنع‏ ‏بإزارك‏ ‏إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله ‏ ‏موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها فقال تقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم قال اذهب فقد ‏ ‏ملكتها‏ ‏بما معك من القرآن ).

ورفض النبي هذا الزواج أو عدم موافقته عليه أمر طبيعي ، فالزواج مبني على القبول والتوافق، ولم يرغبها النبي ، كما ‏في رواية مالك قول الصحابي: ” زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ” فقال : ” لا حاجة لي .

وربما ألهمه الله تعالى عدم صلاحية هذه المرأة زوجة له، بصرف النظر عن جمالها.

كما لا مانع أن تكون جميلة ومع ذلك لم يوافق على التزوج بها أو لم يرغبها النبي ، بدليل أنه لما لم يوافق النبي على التزوج بها خطبها منه أحد الحاضرين من الصحابة رضي الله عنهم .
ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن امرأة أتت النبي فقالت يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا فذكرت من حسنها وجمالها فآثرتك بها فقال قد قبلتها فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشك شيئا قط فقال لا حاجة لي في ابنتك .
فليس الجمال هو الذي يعني الرسول .

بل ربما كان سيقبلها لولا أن أحد أصحابه طلبها لنفسه فآثره بها، ولم يكن سكوته إلا تمهلا وتفكرا حتى لا يتعجل في القبول .
كما قال الإمام القرطبي في تفسيره:
ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا. أ.هـ.