القراءة بعد الرفع من سجدة التلاوة في الصلاة مستحبة، وليست واجبة، وهناك تفصيل للفقهاء في أحكام سجدة التلاوة في الصلاة، وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه:
اتفق الفقهاء على أن سجود التلاوة يحصل بسجدة واحدة , وذهب جمهورهم إلى أن السجدة للتلاوة تكون بين تكبيرتين , وأنه يشترط فيها ويستحب لها ما يشترط ويستحب لسجدة الصلاة من كشف الجبهة والمباشرة بها باليدين والركبتين والقدمين والأنف , ومجافاة المرفقين من الجنبين والبطن عن الفخذين , ورفع الساجد أسافله عن أعاليه وتوجيه أصابعه إلى القبلة , وغير ذلك .
لكنهم اختلفوا في تفصيل كيفية أداء السجود للتلاوة اختلافا يحسن معه إفراد أقوال كل مذهب ببيان :
ـــ ذهب الحنفية إلى أن ركن سجدة التلاوة السجود أو بدله مما يقوم مقامه كركوع مصل وإيماء مريض وراكب .
وقالوا : إن سجود التلاوة سجدة بين تكبيرتين مسنونتين جهرا , واستحبوا له الخرور له من قيام , فمن أراد السجود كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارا بسجدة الصلاة , لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال للتالي : إذا قرأت سجدة فكبر واسجد وإذا رفعت رأسك فكبر , والتكبيرتان عند الهوي للسجود وعند الرفع منه مندوبتان لا واجبتان , فلا يرفع الساجد فيهما يديه ; لأن الرفع للتحريم , ولا تحريم لسجود التلاوة , وقد اشترطت التحريمة في الصلاة لتوحيد الأفعال المختلفة فيها من قيام وقراءة وركوع وسجود , وبالتحريمة صارت فعلا واحدا , وأما سجدة التلاوة فماهيتها فعل واحد فاستغنت عن التحريمة ; ولأن السجود وجب تعظيما لله تعالى وخضوعا له عز وجل .
وتؤدى سجدة التلاوة - عند الحنفية - في الصلاة بسجود أو ركوع غير ركوع الصلاة وسجودها , وتؤدى بركوع الصلاة إذا كان الركوع على الفور من قراءة آية أو آيتين وكذا الثلاث على الظاهر , وكان المصلي قد نوى كون الركوع لسجود التلاوة على الراجح , وتؤدى بسجود الصلاة على الفور وإن لم ينو , ولو نواها الإمام في ركوعه ولم ينوها المؤتم لم تجزه , ويسجد إذا سلم الإمام ويعيد القعدة , ولو تركها فسدت صلاته , وذلك في الجهرية , والأصل في أدائها السجود , وهو أفضل , ولو ركع المصلي لها على الفور جاز , وإن فات الفور لا يصح أن يركع لها ولو في حرمة الصلاة , فلا بد لها من سجود خاص بها ما دام في حرمة الصلاة ; لأن سجدة التلاوة صارت دينا والدين يقضى بما له لا بما عليه , والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين , وإذا سجد للتلاوة أو ركع لها على حدة فورا يعود إلى القيام , ويستحب أن لا يعقبه بالركوع بل يقرأ بعد قيامه آيتين أو ثلاثا فصاعدا ثم يركع , وإن كانت السجدة من آخر السورة يقرأ من سورة أخرى ثم يركع .
أما في خارج الصلاة فلا يجزئ الركوع عن سجود التلاوة لا قياسا ولا استحسانا كما في البدائع , وهو المروي في الظاهر .
وذهب المالكية إلى أن سجدة التلاوة شابهت الصلاة , ولذا شرط لها ما شرط للصلاة من الطهارة وغيرها , وشابهت القراءة لأنها من توابعها , ولذا تؤدى - كالقراءة - بلا إحرام , أي بغير تكبير للإحرام مع رفع اليدين عنده زيادة على التكبير للهوي والرفع , وبلا سلام على المشهور .
وعدم مشروعية التسليم في سجدة التلاوة لا يعني عدم النية لها ; لأن سجدة التلاوة صلاة والنية لا بد منها في الصلاة بلا نزاع , والنية لسجدة التلاوة هي أن ينوي أداء هذه السنة التي هي السجدة , قال الزرقاني : ويكره الإحرام والسلام , لكن يبعد أو يمنع أن يتصور هويه لسجدة التلاوة من غير استحضار نية لتلك السجدة .
وقالوا : وينحط الساجد لسجدة التلاوة من قيام , ولا يجلس ليأتي بها منه , وينزل الراكب , ويكبر لخفضه في سجوده والرفع منه إذا كان بصلاة , بل لو بغير صلاة , خلافا لمن قال : إن من سجد للتلاوة بغير صلاة لا يكبر لخفض ولا لرفع , وقال بعض الشراح : الظاهر أن حكم هذا التكبير السنية , ويؤيده أن سجدة التلاوة في الصلاة من جملة الصلاة والتكبير فيها سنة , وقال غيرهم : إنه مستحب , ولا يكفي عن سجدة التلاوة - عندهم - ركوع , أي لا يجعل الركوع بدلها أو عوضا عنها , سواء أكان في صلاة أم لا .
وإن ترك سجدة التلاوة عمدا وقصد الركوع الركني صح ركوعه وكره له ذلك , وإن تركها سهوا عنها وركع قاصدا الركوع من أول الأمر ، فذكرها وهو راكع اعتد بركوعه فيمضي عليه ويرفع لركعته عند مالك من رواية أشهب , لا عند ابن القاسم فيخر ساجدا , ثم يقوم فيقرأ شيئا ويركع , ويسجد بعد السلام إن كان قد اطمأن بركوعه الذي تذكر فيه تركها لزيادة الركوع .
وقال الشافعية : الساجد للتلاوة إما أن يكون في الصلاة أو في غير الصلاة :
فمن أراد السجود للتلاوة وهو في الصلاة , إماما كان أو منفردا أو مأموما , نوى السجود بالقلب من غير تلفظ ولا تكبير للافتتاح لأنه محرم بالصلاة , فإن تلفظ بالنية بطلت صلاته كما لو كبر بقصد الإحرام , والنية واجبة في حق الإمام والمنفرد ومندوبة في حق المأموم لحديث : { إنما الأعمال بالنيات } .
وقال بعض الشافعية : لا يحتاج في هذا السجود إلى نية ; لأن نية الصلاة تنسحب عليه وتشمله بواسطة شمولها للقراءة .
ويستحب له أن يكبر في الهوي إلى السجود ولا يرفع اليد ; لأن اليد لا ترفع في الهوي إلى السجود في الصلاة , ويكبر عند رفعه رأسه من السجود كما يفعل في سجدات الصلاة .
وإذا رفع رأسه من السجود قام ولا يجلس للاستراحة , فإذا قام استحب أن يقرأ شيئا ثم يركع , فإن انتصب قائما ثم ركع بلا قراءة جاز إذا كان قد قرأ الفاتحة قبل سجوده , ولا خلاف في وجوب الانتصاب قائما , لأن الهوي إلى الركوع من القيام واجب . قال النووي : وفي الإبانة والبيان وجه أنه لو رفع من سجود التلاوة إلى الركوع ولم ينتصب أجزأه الركوع , وهو غلط نبهت عليه لئلا يغتر به .
أما من أراد السجود للتلاوة وهو في غير الصلاة فينوى السجود , لحديث : { إنما الأعمال بالنيات } واستحب له التلفظ بالنية , ثم كبر للإحرام رافعا يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام في الصلاة , ثم كبر للهوي للسجود بلا رفع ليديه , وسجد سجدة واحدة كسجدة الصلاة , ورفع رأسه مكبرا , وجلس وسلم من غير تشهد كتسليم الصلاة .
وقالوا : أركان السجود للتلاوة في غير الصلاة أربعة : النية , وتكبيرة الإحرام , والسجدة , والسلام .
وقال الحنابلة : من أراد السجود للتلاوة يكبر للهوي لا للإحرام ولو خارج الصلاة , خلافا لأبي الخطاب , لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : { كان ﷺ يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه } . وظاهره أنه كبر مرة واحدة , ويكبر الساجد للتلاوة إذا رفع من السجود لأنه سجود مفرد فشرع التكبير في ابتدائه وفي الرفع منه كسجود السهو وصلب الصلاة , ويجلس في غير الصلاة إذا رفع رأسه من السجود ; لأن السلام يعقبه فشرع ليكون سلامه في حال جلوسه , بخلاف ما إذا كان في الصلاة , ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه على الصحيح من المذهب , وعن أحمد أن التسليم ركن .