هناك خلاف بين الفقهاء حول أثر الاستمناء على الصيام ، فجمهور الفقهاء يبطلون الصيام بذلك لأنه نوع من تفريغ الشهوة الذي منع منه الصائم.
وذهب عدد قليل من العلماء إلى أن الاستمناء لا يفسد الصيام بغض النظر عن حرمته- أي أنه حرام لكنه لا يفسد الصيام، كما أن الكذب حرام لا يفسد الصيام.
وهذا إذا كان الاستمناء خرج بوجه محرم كالعادة السرية، فإذا خرج بوجه مشروع كالاستمنناء بيد الزوجة، أو ضمها، أو معانقتها فإن هذا لا إثم فيه، ولايفطر الصائم.
وتقبيل الأجنبية حرام، لا يكاد يبقي لصاحبه أجرا في الصيام ، بل يجلب له معصية وذنبا.
الاستنماء والصيام:
تبنى الشيخ القرضاوي مذهب من يرى حرمة الاستمناء للصائم، وأنه يوجب القضاء، وذلك لقوله ﷺ (يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جُنَّة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). رواه البخاري.
والمستمني لم يدع شهوته،وأما أنه لا يجب عليه الكفارة فلآن الكفارة لم تأت إلا في الإيلاج.
ومن الذين لا يرون وجوب القضاء من نزول المني إذا نزل خارج الفرج أي بدون جماع:-
1- ابن حزم.
2- جابر بن ويد.
3- يفهم عن عائشة وليس بصريح عنها. ففي صحيح البخاري(وقالت عائشة رضي الله عنها: يحرم عليه فرجها). قال الحافظ معقبا : (وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال قال ” سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم؟ قالت فرجها ” إسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق ” سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت كل شيء إلا الجماع“.)
4- الصنعاني.
5- الشوكاني.
6- وأخيرا الشيخ الألباني.
هل مباشرة الزوجة تبطل الصيام:
قال الشوكاني:-
ووقع الخلاف فيما إذا باشر الصائم أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى , فقال الكوفيون والشافعي : يقضي إذا أنزل في غير النظر , ولا قضاء في الإمذاء . وقال مالك وإسحاق : يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط.
واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب في الجماع من الالتذاذ في كل ذلك . وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع فقط .انتهى.
قال الحافظ:-
واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى، فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنزل في غير النظر، ولا قضاء في الإمذاء.
وقال مالك وإسحاق: يقضي في كل ذلك ويكفر، إلا في الإمذاء فيقضي فقط.
واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك.
وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع ولو لم يكن إنزال فافترقا.
وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فأنعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك.
وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة ” من تأمل خلق امرأته وهو صائم بطل صومه ” لكن إسناده ضعيف.
وقال ابن قدامة: إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف.
كذا قال وفيه نظر، فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل، وقوى ذلك وذهب إليه.
هل الاستنماء يفسد الصوم:
يقول الشيخ الألباني:-لا دليل على الإبطال بذلك وإلحاقه بالجماع غير ظاهر ولذلك قال الصنعاني : ” الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع وإلحاق غير المجامع به بعيد ” . وإليه مال الشوكاني وهو مذهب ابن حزم فانظر ” المحلى ” ( 6 / 175 – 177 و205 ) . ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة قالوا : ” لأن الجماع أغلظ والأصل عدم الكفارة ” . انظر ” المهذب ” مع ” شرحه ” للنووي ( 6 / 368 ) . فكذلك نقول نحن : الأصل عدم الأفطار والجماع أغلظ من الاستمناء
فلا يقاس عليه . فتأمل .
وقال الرافعي ( 6 / 396 ) : ” المني إن خرج بالاستمناء أفطر لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا ” . قلت : لو كان هذا صحيحا لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الإيلاج بدون إنزال وهم لا يقولون أيضا بذلك .
فتأمل تناقض القياسيين أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل وقد ذكرت بعضها في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” تحت الأحاديث ( 219 – 221 ) ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سألها : ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟ قالت : ” كل شئ إلا الجماع ” . أخرجه عبد الرزاق في ” مصنفه ” ( 4 / 190 / 8439 ) بسند صحيح كما قال الحافظ في ” الفتح ” واحتج به ابن حزم . وراجع سائرها هناك .
وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في ” صحيحه ” ( 2 / 243 ) : ” باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين : أحدهما مباح والآخر محظور إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور قال المصطفى ﷺ : ” إن الجماع يفطر الصائم ” والنبي المصطفى ﷺ قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة .
وإن مما ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين :
الأول : أن كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شيء ومباشرة الصائم شئ آخر ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم خشية أن يقع في المحظور الجماع وهذا سدا للذريعة المستفادة من عديد من أدلة الشريعة منها قوله ﷺ : ” ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه ” وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي ﷺ وهو صائم : ” وأيكم يملك إربه ؟ ”
والأمر الآخر : أن المؤلف لما ذكر الاستمناء باليد فلا يجوز لأحد أن ينسب إليه أنه مباح عنده لأنه إنما ذكره لبيان أنه مبطل للصوم عنده .
وأما حكم الاستمناء نفسه فلبيانه مجال آخر وهو قد فصل القول فيه في ” كتاب النكاح ” وحكى أقوال العلماء واختلافهم فيه وإن كان القارئ لا يخرج مما ذكره هناك برأي واضح للمؤلف كما هو الغالب من عادته فيما اختلف فيه .
وأما نحن فنرى أن الحق مع الذين حرموه مستدلين بقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) . ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا إلا إذا استعمل الطب النبوي وهو قوله ﷺ للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج : ” فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” .