الحب من الأمور الوجدانية التي لا يملكها إلا الله ـ عز وجل ـ وحب الرجل لبعض بنيه أكثر من بعض أمر طبعي، ولا مؤاخذة عليه شرعا، إلا إذا ترتب عليه تصرف أو سلوك يؤدي إلى ظلم بعض الأبناء أو الجور عليهم، وبشرط ألا يُظهر الأب ذلك، حتى لا يؤدي إلى حسد بعضهم لبعض، وكراهية بعضهم بعضا.
وقد ذكر بعض المفسرين أن سيدنا يعقوب عليه السلام هو السبب فيما حدث بين أبنائه وتدبيرهم السييء لأخيهم يوسف عليه السلام بالقتل، ثم الإلقاء في الجب، مستدلين على ذلك بما حكاه القرآن الكريم على لسان إخوة يوسف عليه السلام: “إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ” (يوسف: آية 8)، كما استدلوا ببعض الآثار، التي لم تصح من أن الله ـ عز وجل ـ “أوحى إلى يعقوب عليه السلام، أنه لم يصبه بما أصابه به من إبعاد يوسف عنه، وفقده البصر حزنا عليه، إلا لأنه أحب يوسف أكثر من إخوته”.
والصحيح أن سيدنا يعقوب عليه السلام، أحبهم جميعا، وسوَّى بينهم في ذلك الحب، وقد يكون عطفة على يوسف أكثر لما رآه فيه من استعداد خاص، ولصغر سنه، وهي أسباب مشروعة، ولكنه لم يظهر ذلك بين أبنائه، ولم يتصرف أي تصرف فيه محاباة ليوسف وظلم لأخوته، وما حكاه القرآن إنما هو مما قالوه، بسبب نزغ الشيطان بينهم وبين أخيهم يوسف عليه السلام. وهذا ما كان يخشاه أبوهم سيدنا يعقوب عليه السلام؛ ولذلك قال لابنه يوسف عندما قص عليه رؤياه: “قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (يوسف: آية 5).
ودليل هذا إقرارهم على أنفسهم بخطئهم في ظنهم السيئ في تفرقة والدهم بينهم وبين أخيهم في حبه، كما في قول الله تعالى: “قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ*قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”(يوسف: آية 97،98) والخاطئ هو الذي يرتكب الذنب متعمدا.
وقال الله تعالى ـ على لسان يوسف عليه السلام ـ: “مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (يوسف: آية 100)، وذنبهم الحقيقي هو الحسد لأخيهم واجتراؤهم على أبيهم؛ وهكذا ندرك أن سيدنا يعقوب ـ عليه السلام ـ تصرف التصرف الذي يليق بنبي من أنبياء الله قد تربَّى في بيت النبوة، وقال الله تعالى في شأنه: “وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” (يوسف: آية 68).