الأصل في الأموال أن تؤدى لأصحابها، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، فإن تأكد موت صاحبها فإنها تدفع إلى ورثته، لأنهم أصحاب هذا المال بعد موته، فإن تعذر معرفة أحد من ورثته، فإنها تنفق في وجوه البر بنية التخلص من حق الغير.
وعلى هذا فعلى من عليه دين أن يجتهد أولا في تحديد مال الناس الذي يقع في حوزته، والذي قد استدانه منهم، ثم بعد ذلك عليه البحث عن أهل هذه الديون، فإن وجدهم دفع مالهم لهم، وإن لم يجدهم ووجد ورثتهم، فيدفع المال لورثتهم، وإن لم يعثر على أي أحد منهم أبدا، فينفق هذا المال في وجوه البر توبة منه من مال الناس.
حكم المماطلة في أداء الدين
لا يجوز المماطلة في أداء الدين، فهو منكر، والنبي ﷺ يقول: “مطل الغني ظلم” ويقول: “لي الواجد يحل عرضه وعقوبته” فالواجب من اقترض أن يبادر بالأداء في الوقت المحدد، وعند اليسر بالأداء، فلا يجوز المطل، ولا التأخير مع اليسر، أو مع حضور الوقت الذي حدد له المقرض، وتساهل الناس في القرض، وامتناعهم منه بسبب فعل بعض الناس الذين لا يبالون بالقرض، ولا يسددون، ويماطلون؛ لأنهم بهذا يسببون منع الآخرين من القرض.
بشرى لمن أخذ أموال الناس يريد أداءها
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
” بشرى للإنسان : قال رسول الله ﷺ : “مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ”، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ ، أو ثمن مبيع ، أو أجرة بيت ، أو غير ذلك ، وأنت تريد الأداء : أدَّى الله عنك ، إما في الدنيا ؛ يعينك حتى تسدد ، وإما في الآخرة . صح ذلك عن النبي ﷺ ، أما المتلاعب بأموال الناس ، والذي يأخذها ، ولا يريد أداءها ، ولكن يريد إتلافها : فإن الله يتلفه ، والعياذ بالله ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (6 / 32) .
من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره هل تبقى روحه مرهونة معلقة
يقول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ).
وهذا محمول على من ترك مالاً يُقضى منه دينه ، أما من لا مال له يقضى منه : فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث ؛ لقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .
كما لا يتناول من بيّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ، ومات ولم يتمكن من الأداء ؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “ومن مات مُعْدِما [لا مال له] : يُرْجَى أن الله يقضي عنه ما عليه ” .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير مِنْهُ ، كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا ، أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت ، وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ ، وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه ، وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ….. الظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ ، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي هريرة” انتهى من ” فتح الباري” (5/54) .
التحذير من المماطلة في سداد القرض
تقاعس المقترض والمدين عن السداد مع القدرة عليه منهي عنه شرعًا؛ وذلك بما تقرر بما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ».
ومطل الغني؛ أي: تأخيره أداء الدَّين من وقتٍ إلى وقتٍ، والمطل: منع أداء ما استحق أداؤه، وهو حرام من المتمكن، فيحرم على الغني الواجد القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه، ولو كان غنيًّا ولكنه ليس متمكنًا جاز له التأخير إلى الإمكان، وفي الحديث: الزجر عن المطل.