بين الله تعالى في غير آية من كتابه الكريم أن غيب السموات والأرض لله تعالى وحده لا يشركه فيه غيره، ولا يظهر سبحانه أحداً على هذا الغيب إلا من ارتضاه من الرسل الكرام، ومن هذه الغيبيات وقت قيام الساعة، وقد اختص الله عز وجل بهذا العلم فلم يطلع عليه ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، وأكد الله سبحانه أن علم الساعة لا يعلمه غيره في خمس آيات صريحة في ذلك.
يقول الشيخ ابن العثيمين:-
قال الله تعالى في كتابه المبين : ( ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله) وقال : ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .وقال جل ذكره : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو). وأمر نبيه ، ﷺ ، أن يعلن للملأ قوله : ( قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب) .وقوله:( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) وقوله : (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً . عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً . إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً) .
فبين الله تعالى في هذه الآيات الكريمة أن غيب السموات والأرض لله تعالى وحده لا يشركه فيه غيره، ولا يظهر سبحانه أحداً على هذا الغيب إلا من ارتضاه من الرسل الكرام .
وكل علم يتعلق بالمستقبل فإنه من علم الغيب كما قال تعالى : ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت).
ومن ذلك علم قيام الساعة ، فإنه من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ولم يطلع الله عليه أحداً من خلقه ، حتى أشرف الرسل من الملائكة والبشر لا يعلمونه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل أتى إلى النبي ﷺ ، في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة فسأل النبي ، ﷺ ، عن الإسلام والإيمان والإحسان فبينها له ثم قال : أخبرني عن الساعة فقال له النبي ، ﷺ:(ما المسؤول عنها بأعلم من السائل”قال فاخبرني عن اماراتها؟ فاخبره بشيء منها .
فقوله ، صلي الله عليه وسلم ،( ما المسؤل عنها بأعلم من السائل ) يعني أن علمي وعلمك فيها سواء فلست أعلم بها منك حتى أخبرك فإذا كنت لا تعلمها فأنا لا أعلمها ، فإذا انتفى علمها عن أفضل الرسل من الملائكة وأفضل الرسل من البشر فانتفاء علمها عمن سواهما أولى.
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بنفي علم الخلق بوقت الساعة بخصوصه:-
فالآية الأولى: قوله تعالى في سورة الأعراف :- ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي لا يعلمون أن علمها عند الله تعالى فهم يسألون عنها . وقد أكد الله تعالى أن علمها عنده وحده في جمل أربع وهي قوله:
(إنما علمها عند ربي )(لا يجليها لوقتها إلا هو)(إنما علمها عند الله) . وهذه الجمل أفادت اختصاص علمها بالله –عز وجل – بدلالة الحصر التي هي من أقوى دلالات الاختصاص.
أما الجملة الرابعة فهي قوله: (لا تأتيكم إلا بغتة) . فإن الناس لو أمكنهم العلم بها ما جاءتهم بغتة لأن المباغتة لا تكون في الشيء المعلوم. فإن قال قائل : ألا يحتمل أن يكون في قوله تعالى : ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . دليل على أن بعض الناس يعلمون متى تقوم؟ .
قلنا : لا يحتمل ذلك لأنه ينافي التأكيد الوارد في هذه الجمل ويناقضه فكيف يؤكد الله تعالى أن علمها عنده وحده ثم يشير إلى أن بعض الناس يعلمون ذلك ، وهل هذا إلا من العبث المعنوي الذي ينزه الله تعالى عنه ومن الركاكة والعي الذي تأباه بلاغة القرآن العظيم؟.
ولو قدر – على الفرض الممتنع – أن أحداً من الناس قد يعلمه الله تعالى به ، فإن ذلك من علم الغيب الذي لا يظهر الله تعالى عليه إلا من ارتضى من رسول ، وقد سبق أن الرسول البشري محمداً ، ﷺ ، والرسول الملكي جبريل لا يعلمان ذلك فمن ذا يمكن أن يعلمه من سواهما من الخلق؟ .
والآية الثانية: قوله في سورة لقمان :- ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) وهذه الخمس هي مفاتح الغيب التي قال الله عنها : (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) كما فسرها به أعلم الخلق بمراد الله –عز وجل- رسول الله ، ﷺ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ، ﷺ ، قال: مفاتح الغيب خمس: “إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير .
فثبت بذلك أن علم الساعة مما يختص الله تعالى به، لأنه من علم الغيب ولا يظهر الله تعالى أحداً من خلقه على غيبه إلا من ارتضاه من الرسل فمن ادعى علم شيء منه غير الرسل فهو كاذب مكذب لله تعالى.
فإن قال قائل : ما تقولون عما قيل : إنهم يطلعون على الجنين قبل وضعه فيعلمون أذكر هو أم أنثى، وإنهم يتوقعون نزول المطر في المستقبل فينزل كما توقعوا .
قلنا : الجواب عن الأول: أنهم لا يعلمون أنه ذكر أم أنثى إلا بعد أن يخلق فتبين ذكورته أو أنوثته، وحينئذ لا يكون من الغيب المحض المطلق بل هو غيب نسبي، ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن النبي ، ﷺ ، في قصة الملك الموكل بالرحم أنه يقول عند تخليق الجنين : يارب أذكر أم أنثى ، يارب أشقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الأجل، فيكتب كذلك في بطن أمه .
وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد عن النبي، ﷺ، في الملك الموكل بالرحم قال: يارب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك . فقد علم الملك أن الجنين ذكر أو أنثى وهو في بطن أمه لكنه قبل أن يخلق لا يعلم الملك ولا غيره أنه ذكر أو أنثى.
والجواب عن الثاني: أن هذه التوقعات إنما تكون بوسائل حسية، وهي الأرصاد الدقيقة التي يعلم بها تكيفات الجو وتهيؤه لنزول المطر بوجه خفي لا يدرك بمجرد الحس، وهذا التوقع بهذه الأرصاد ليس من علم الغيب الذي يختص به الله
ـ عز وجل – فهو كتوقعنا أن ينزل المطر حين يتكاثف السحاب ويتراكم ويدنو من الأرض ويحصل فيه رعد وبرق.
والآية الثالثة: قوله في سورة الأحزاب : (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً) .
والآية الرابعة: قوله في سورة الزخرف : ( وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ) فتقديم الخبر في قوله :(وعنده علم الساعة) يفيد الاختصاص كما هو معلوم .
والآية الخامسة: قوله تعالى في سورة النازعات: ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها . فيم أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها). فقدم الخبر في قوله : ( إلى ربك منتهاها). ليفيد اختصاص ذلك به تبارك وتعالى.
فهذه خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها صريحة في أن علم الساعة خاص بالله تعالى لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل.