القنوت وهو الدعاء مشروع في الصلوات الخمس عند النوازل، لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قَنَتَ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلوات الخمس مدة شهر، يدعو على حَيٍّ من بني سليم رعل وذكوان وعصية، لأنهم قتلوا بعض الصحابة الذينَ أرسلهم ليعلموهم. وراه أبو داود وأحمد، كما روى البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو يدعو لأحدٍ قَنَتَ بعد الركوع.

وجاء فيه: قال: يَجهر بذلك ويقول في بعض صلاته وفي صلاة الفجر “اللهمَّ الْعَنْ فلانًا وفلانًا” حَيَّيْنِ من أحياء العرب، حتى أنزل الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران : 128).

والقنوت في الصبح على هذا مشروع عند النوازل كبقية الصلوات، أما في غير النوازل فللفقْهِ فيه أقوال خلاصتها.

قال الحنيفة والحنابلة بعدم مشروعيته ، مُستدلينَ بما رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه عن أنس: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يَقْنُتُ في صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم.

وقال المالكية والشافعية بمشروعيته. ودليلهم ما رواه الجماعة إلا الترمذي أن أنس بن مالك سُئِلَ هل قَنَتَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة الصبح؟ فقالك نعم، رواه أحمد والبزَّارُ والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس قال: ما زال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقنت في الفجر حتى فَارَقَ الدنيا.

ومناقشة هذه الأدلة وبيان الأرجح من الأقوال يُمكن الرجوع إليه في كتاب “زاد المعاد لابن القيم” الذي بَيَّنَ في سَرْدِهِ للروايات أن أهل الحديث تَوسَّطوا بين مَنْ يُنكرون القنوت مطلقًا حتى في النوازل وبَيْنَ مَنْ يَستحسنونه مطلقًا عند النوازل وغيرها، فهم لا ينكرون على ما داوم عليه ولا يُكْرِهونَهُ فِعْلَهُ، ولا يَرونه بِدْعَةً ولا فاعله مخالفًا للسنَّة، كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون ترْكه بدعة ولا تاركه مخالفًا للسنة، بل من قنت فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن، وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يُعَنَّفُ فيه مَنْ فَعَلَهُ ولا تركه، وذلك كرفع اليدين في الصلاة وتركه. وأنا أقول: إن الخلاف بسيط، وهو في سُنَّةٍ وليس في فرض، والدِّينُ يُسْرٌ.

هذا وقد رَوَى أحمد وأصحاب السنن عن أبي مالك الأشجعي أنه قال عن قنوات الفجر إنه بدعة، لأنه صَلَّى خلف النبي وأبي بكر وعمر وعلى فلم يَرَهُمْ يَقنتون، كما روى الدارقطني أن ابن عباس كان يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بِدْعَةٌ.

ويمكن الجمع بين روايات الإثبات وروايات النفي بأن هؤلاء المروىَّ عنهم كانوا يقنتون أحيانًا ولا يقنتون أحيانًا أخرى؛ لأنه سُنَّةٌ وليس بفرض ولا واجب، والمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ على النافي كما هو معلوم، وإذا كان بعض الصحابة لم يقنت لأنه لم يَرَهُ من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن عدم الرؤية لا يدل على النفي المطلق، وقد ذكر ابن حزم أن ابن مسعود الذي كان لا يقنت خَفِىَ عليه وَضْعُ الأيدي على الركب في الركوع، وأن ابن عمر الذي لم يحفظه عن أحد من الأصحاب كما رواه البيهقي خَفِىَ عليه المسْحُ على الْخُفَّيْنِ.

هذا في قنوت الصبح، وأما قنوت الوِتْرِ فهو سُنَّةٌ عند الشافعية في النصف الثاني من شهر رمضان، أما في غير ذلك، فهناك خلاف:
فعند الحنابلة أن القنوت مَسْنُونٌ في الوتر في الركعة الواحدة في جميع السَّنَةِ، وعند المالكية والشافعية لا يُسَنُّ، ووافقهم الحنابلة في وراية عن أحمد. وعند الحنفية مسنون في كل أيام السنة، يقول ابن تيمية في فتاويه “مجلد 22 ص 264 ـ 269”..وأما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:

1ـ قيل لا يُسْتَحَبُّ بحالٍ، لأنه لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قنت في الوتر.

2ـ وقيل : بل يُستحب في جميع السَّنَةِ كما نُقِلَ عن ابن مسعود وغيره، ولأن في السنن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَّمَ الحسن بن عليٍّ دعاءً يدعو به قنوت الوتر.

3ـ وقيل بل يقنت في النصف الأخير من رمضان كما كان أُبَيُّ بن كعب يفعل.

وقنوت النوازل مشروع في غير صلاة الصبح أيضًا قال النووي ـ وهو شافعي المذهب فيه ثلاثة أقوال، والصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه مشروع في كل الصلوات ما دامت فيه نازلة، وإلا فلا، ولم يَقُلْ بمشروعيته غيرهم، ورأى المالكية أنه إن وقع لا تبطل به الصلاة وهو مكروه.
ومحل القنوت بعد الركوع عند الشافعية والحنابلة، وفي رواية عن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله فلا بَأْسَ.

والمالكية والحنفية، يَقنتون قبل الركوع.

والقنوت عند الشافعية يَحصل بأيَّةِ صيغة فيها دعاء وثناء مثل (اللهم اغفر لي يا غفور) وأفضله: (اللهمَّ اهْدِنِي فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقِنِي شَرَّ ما قضيتَ فإنك تقضى بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ولا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تباركتَ وتعاليتَ).
وقد رُوِىَ عن الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَّمَهُ إِيَّاهُنَّ كما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن، ولا يُعرف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيءٌ أحسن من هذا.

ولفظه المختار عند الحنفية كما رواه ابن مسعود وعمر ـ رضي الله عنهما: اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونُثْنِي عليك ولا نَكْفُرُكَ، ونَخلع ونترك من يَفْجُرُكَ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونَحْفِدُ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحَقٌ.

يقول النووي : يُستحب الجمع بين قنوت عمر وما رى عن الحسن، وإلا فَلْيُقْتَصَرْ على رواية الحسن، وتُسَنُّ الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد القنوت.