ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ثماني ليال دون خوف أو مرض، ولما سئل ابن عباس راوي الحديث عن سبب الجمع قال: أراد أن لا يحرج أمته، وهذا الحديث يقتضي جواز الجمع دون سبب من خوف، أو مرض، كما صرح الحديث.

وأبعد من حمل ذلك على وجود غيم بالسماء؛ لأن الغيم لا يؤثر على معرفة وقت المغرب، كما أبعد من قال إن ذلك بسبب المرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالصحابة جميعا، فهل مرض الصحابة جميعا في وقت واحد؟ أما من قال إن المعنى أنه كان يصلي الصلاة الأولى في آخر وقتها، والصلاة الثانية في آخر وقتها فقوله محتمل، وإن لم يكن متعينا؛ لأن تحين آخر الوقت وأوله فيه شيء من الإحراج الذي صرح ابن عباس بأن نفيه كان علة الجمع. وقد صح عن غير واحد من الفقهاء أنه أجاز الجمع بلا سبب بشرط أن لا يصبح عادة للمسلم.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار. وهذا تيسير كبير، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غير سفر ولا مطر، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له: ما أراد بذلك؟ فقال: أراد ألا يحرج أمته .. والحديث في صحيح مسلم.
فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كل فرض في وقته، فيمكن الجمع، على ألا يتخذ الإنسان ذلك ديدنًا وعادة، كل يومين أو ثلاثة .. وكلما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن. إنما جواز ذلك في حالات الندرة، وعلى قلة، لرفع الحرج والمشقة التي يواجهها الإنسان. انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

ذهب الحنابلة، وبعض الشافعية، وهو رواية عند المالكية إلى جواز الجمع بسبب الخوف، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: {أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء}، متفق عليه.
وفي لفظ للجماعة إلا البخاري وابن ماجه: {جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر}، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته) . . وهذا يدل على أن الجمع للخوف أولى.
وذهب أكثر الشافعية وهو الرواية الأخرى للمالكية إلى عدم جواز الجمع للخوف لثبوت أحاديث المواقيت ولا تجوز مخالفتها إلا بنص صريح غير محتمل.
أما الأحناف فإنهم لا يجيزون الجمع لسفر ولا لمطر ولا لغيرهما من الأعذار الأخرى .
وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز الجمع لغير الأعذار المذكورة؛ لأن أخبار المواقيت الثابتة لا تجوز مخالفتها إلا بدليل خاص، ولأنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المحافظة على أوقات الصلوات حتى {قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع} أي بمزدلفة، الحديث.
وذهب طائفة من الفقهاء منهم – أشهب من المالكية، وابن المنذر من الشافعية، وابن سيرين وابن شبرمة – إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة.
قال ابن المنذر: يجوز الجمع في الحضر من غير خوف، ولا مطر، ولا مرض. وهو قول جماعة من أهل الحديث لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: { إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر} فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته.
ولما روي من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من أنهم كانوا يجمعون لغير لأعذار المذكورة. انتهى. وجاء في شرح الدرر البهية من كتب الحنابلة في تعليل جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة هذه المدة: من الفقهاء من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما في معناه من الأعذار وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده قول ابن عباس حين سئل أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره.