الصلاة في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى إلا المسجد الحرام، لما في الحديث: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”. رواه البخاري ومسلم، وهذا الثواب للمسجد النبوي دون حرم المدينة، حيث إن حرم المدينة لا تضعيف فيه.

وحصل خلاف بين أهل العلم في حصول ذلك الأجر والثواب في الزيادة التي طرأت على المسجد بعد وفاته ، والجمهور على أن الصلاة تضاعف فيها كما تضاعف في أصل المسجد، وهذا رأي الحنفية والحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية بينما ذهب الشافعية إلى أن الفضيلة مختصة بنفس مسجده الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده، وتوقف أحمد بن حنبل.

وقد ثبت تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي فيما رواه أحمد وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ).
والحديث صححه المنذري والبوصيري ، وقال الألباني : ” سنده صحيح على شرط الشيخين ” انتهى

ثانيا:هناك خلاف في ” المسجد الحرام ” الذي ثبت فيه التضعيف هل يختص بمسجد الكعبة أم يشمل ما كان داخل حدود الحرم ، والراجح هو الأول .

ثالثا :حرم المدينة لا تضعيف فيه ، بل التضعيف مختص بالمسجد الذي بناه الرسول ، واختلف الفقهاء في حصول ذلك في الزيادة التي طرأت على المسجد بعد وفاته ، والجمهور على أن الصلاة تضاعف فيها كما تضاعف في أصل المسجد .

واستدلوا على ذلك ببعض الآثار .

قال ابن رجب رحمه الله :  ” وحكم الزيادة حكم المزيد فيه في الفضل أيضا ، فما زيد في المسجد الحرام ومسجد النبي   كله سواء في المضاعفة والفضل .

وقد قيل : إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف ، إنما خالف فيه بعض المتأخرين من أصحابنا ، منهم ابن عقيل وابن الجوزي ، وبعض الشافعية . ولكن قد روي عن الإمام أحمد التوقف في ذلك :

قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : الصف الأول في مسجد النبي أي صف هو ، فإني رأيتهم يتوخون دون المنبر ، ويدعون الصف الأول ؟ قال : ما أدري . قلت لأبي عبد الله : فما زيد في مسجد النبي فهو عندك منه ؟ فقال : وما عندي ، إنما هم أعلم بهذا – يعني : أهل المدينة .

وقد روى عمر بن شبة في كتاب أخبار المدينة بإسناد فيه نظر عن أبي هريرة عن النبي قال : (لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي) فكان أبو هريرة يقول : لو مد هذا المسجد إلى باب داري ما عدوت أن أصلي فيه .

وبإسناد فيه ضعف عن أبي عمرة قال : زاد عمر في المسجد في شاميه ، ثم قال : لو زدنا فيه حتى نبلغ الجبانة كان مسجد النبي .

وبإسناده عن ابن أبي ذئب قال : قال عمر : لو مد مسجد النبي إلى ذي الحليفة كان منه ” انتهى من “فتح الباري” لابن رجب.

وفي “الموسوعة الفقهية”  :

” طرأت على بناء المسجد النبوي توسعة وزيادات في بنائه عما كان عليه في عصر النبي ، وقد بحث العلماء حكم هذه الزيادة من جهة نيل الثواب ، فمنهم من قال إن الفضل الثابت لمسجده ثابت لما زيد فيه .

وإلى هذا ذهب الحنفية والحنابلة وهو اختيار ابن تيمية ، قال ابن عابدين : ” ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي ، فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي ، والإشارة بهذا [يعني في قول النبي (ومسجدي هذا)] إلى المسجد المضاف إليه ، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده ، فقد اتفقت الإشارة والتسمية على شيء واحد فلم تلغ التسمية فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث ، فيما زيد فيه ” .

ونقل الجراعي عن ابن رجب مثل ذلك ، وأنه قد قيل إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف .
وروي عن الإمام أحمد التوقف .

ورجح السمهودي – من المالكية – أن ما زيد في المسجد النبوي داخل في الأفضلية الواردة بالحديث ، ونقل عن الإمام مالك أنه سئل عن حد المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو على ما كان في عهد النبي أو هو على ما عليه الآن ؟ فقال بل هو على ما هو الآن ، وقال لأن النبي أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فأري مشارق الأرض ومغاربها ، وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت ونسي ذلك من نسيه ، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر .

وذهب الشافعية إلى أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده . وإلى هذا ذهب ابن عقيل وابن الجوزي وجمع من الحنابلة ” انتهى باختصار .

والله أعلم .