هل يجوز للمرأة خلع حجابها من أجل التعليم:
يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
ينبغي أن يعلم أن لبس الجلباب بشروطه الشرعية فريضة على المرأة المسلمة المكلفة شرعاً.
يقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية 59.
فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات.
وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} سورة النور الآيتان 30-31.
وثبت في الحديث عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسـلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال ﷺ: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم.
وجاء في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها:( أنها كانت عند أختها عائشة رضي الله عنها وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول ﷺ قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله ﷺ أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام ؟ قال : أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا – أي وجهها وكفيها – ) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59 .
8 شروط من الكتاب والسنة يجب أن تكون في لباس المرأة المسلمة:
أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلملما جاء في رواية أخرى لحديث أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها السابق ( دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله ﷺ وقال لها: يا أسماء إن المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني. فينبغي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان.
ثانياً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع.
ثالثاً: أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته، وقد ورد في الحديث قوله ﷺ:( سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات ) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني.
رابعاً: أن لا يكون زينةً في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبةونحو ذلك ؛ لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ..) ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى:( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ).
خامساً: أن لا يكون معطراً مطيباً، فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله ﷺ (أيما إمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح.
سادساً: أن لا يشبه لباس الرجل، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه ، فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل ، وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة.
فقد جاء في الحديث (لعن رسول الله ﷺ الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.
سابعاً: أن لا يشبه لباس غير المسلمات؛ لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (رأى رسول الله ﷺ عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ) رواه مسلم.
ثامناً: أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الاشتهار بين الناس كأن يكون نفيساً جداً، ويدل على ذلك قوله ﷺ (من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن.
فهذه الشروط إذا توفرت في اللباس كان لباساً شرعياً.
إذا تقرر هذا فإنه يحرم على الفتاة المسلمة أن تدرس في مدرسة تمنعها من لبس الجلباب ؛ لأن لبسه فريضة كما سبق، وليست الفتاة مضطرة للدراسة حتى لو كانت المدرسة متميزة في التعليم أو أنها تدرس اللغات الأجنبية، فلا يجوز شرعاً للمسلم أن يضيع فريضة من فرائض الله عز وجل من أجل مثل هذه الأمور.
وكذلك يحرم على ولي أمر الفتاة أن يوقع أي تعهد أو إقرار بالموافقة على أن تنزع ابنته الجلباب أو أن لا تلبسه خلال فترة دراستها في المدرسة أو غيرها من المدارس التي تشترط هذا الشرط الباطل، لأن ذلك يعتبر طاعة في معصية الله عز وجل، والطاعة لها حدود لا يجوز تجاوزها فإذ أُمِرَ المسلم بالقيام بمعصية سواء أكان الآمر مسلماً أو غير مسلم حاكماً أو غير حاكم فلا يجوز للمسلم الطاعة في المعصية.
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال :( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه البخاري .وقد نص العلماء على أن الطاعة تكون في غير معصية فقد روى الإمام البخاري الحديث السابق في ( باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ) صحيح البخاري مع فتح الباري 16/239. وقال ابن خواز منداد من كبار فقهاء المالكية:[ وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان فيه معصية ] تفسير القرطبي 5/259.
وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:( لا طاعة لأحد في معصية الخالق ) رواه أحمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وسنده قوي. فتح الباري 5/241، وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى:( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني 1/137-144.