هل الجن كلهم أشرار
هل الجن مكلفون كالإنس
الجن مكلَّفون كالإنس، ولا بدَّ للتكليف من رسالة رسول، ومن المؤكَّد أن النبي ـ ﷺ ـ أُرْسل إلى الجن كما أُرسل إلى الإنس، قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (سورة الجن: 1)، وقَال: ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ موُسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْه يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ). (سورة الأحقاف:29-31) فَهَلْ قَوْلُهُم: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى…) يدل على أن موسى كان مُرسَلًا إلى الجن، أو لم يَكن مرسلًا إليهم ولكنَّهم عَرَفوا أن كتابًا نَزَل عليه، وهل معرفتهم بموسى تدل على إيمانهم به أو عدم إيمانهم.
بعض العلماء يقول: كان الجن الذين لَقَوُا النبي ـﷺ ـ يهودًا يعنى آمنوا بموسى. ومنهم عطاء الذي قال: كانوا يهودًا فأسلموا وارتضى القرطبي في تفسيره هذا الرأي “ج16 ص 217”.
ويقول ابن عباس: إنَّ الجنَّ لم تكن سمعت بأمر عيسى ـ عليه السلام ـ، وقوله تعالى: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) يُراد التوراة لا الإنجيل، فهلْ هؤلاء الجن كانوا مُقِيمين بالمِنْطَقة التي أُرسل فيها موسى فقط، ولم يدخلوا المنطقة التي أرسل فيها عيسى؟ وهل كان إيمانهم بموسى تكليفًا أُلزِموا به أو كان اختيارًا منهم دون تكليف؟ وكل ذلك مع التسليم بأن كل الجن مكلَّفون بعبادة الله ومحاسَبون يوم القيامة، ومن الجائز أن يُرسل إليهم رسلَ غيرِ المذكورين في القرآن وهم خمسة وعشرون، فالله يقول: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (سورة النساء:164).
ولِعَدم التأكد من رسالة موسى وعيسى وغيرهما إلى الجن قال بعض العُلماء ومنهم مقاتل بن سليمان من رجال التفسير: لم يبعث الله نبيًّا إلى الجن والإنس قبل محمد ـ ﷺ ـ “تفسير القرطبي ج16 ص 217.
وارتضى القرطبي هذا القول واستدلَّ عليه بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي ـ ﷺ ـ قال “أُعْطِيت خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبْلِي، كان كل نبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وأُحِلَّت لِيَ الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قبلي، وجُعلت لي الأرض طيَّبة طهورًا ومسجدًا، فأيُّما رجلٍ أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونُصِرْت بالرُّعب بين يدي مسيرة شهر، وأُعطيت الشفاعة” قال مجاهد: الأحمر والأسود هما الجن والإنس، وفي رواية من حديث أبي هريرة: “وبُعثت إلى الخلق كافة وخُتم بي النبيون.
هل الجن كالأنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب
وجاء في شرح الزُّرقاني على المواهب اللدنِّية للقسطلاني “ج5 ص 69” أن من أدلة مالك على الثواب والعقاب قوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ثم قال: ( فِبَأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (سورة الرحمن: 46،47) والخطاب للإنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين ومن شأن المؤمن أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب، وجاء في الرد على أبي حنيفة في أنهم لا يُثابون بأن الثواب مسكوت عنه – أي في الآية التي استدلَّ بها – وأن ذلك من قول الجن فيجوز أنهم لم يطَّلعوا على ذلك وخَفِيَ عليهم ما أعده الله لهم من الثواب.
وبعد، فإن الكلام في ثواب الجن المؤمن من أمور الغيب وقول القشيري فيه صحيح، وليس ذلك مما يُهمُّنا عِلميًّا في الدنيا، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب “آكام المرجان” للشِّبْلي ص 34 –62.