الرهبانية : حياة دينية منعزلة عن المجتمع.

سماتها: التقشف ، والاستغراق في العبادة.

صورتها: حياة الفرد وحده منعزلاً عن الناس ، أو في جماعة عزلت نفسها عن المجتمع في الصحراء، أو في بناء خاص يطلق عليه: الدير.

وتدل الرهبنة في مجال التاريخ الديني والاجتماعي على شكل اجتماعي له الخصائص التالية: مجموعة من الرجال -أو النساء- يعيشون معًا في تجمعات صغيرة، داخل مجموعات أكبر، وتتصرف فيما تحت يدها على أساس أنه ملكية شائعة طبقًا للتعاليم التقشفية التي التزموا بها، ويلتزمون في جميع تصرفاتهم بما رسمه لهم الحبر الأكبر في معزل عن إخوانهم في العقيدة.

ولا يرتبط ظهور الرهبنة بجنس خاص من البشر، ولا تتعلق الرهبنة بلغة معينة ، فهي ظاهرة عامة وجدت في كثير من المجتمعات ،وتأسست تحت عباءة أديان عدة على درجات متفاوتة، وبصور متعددة ، إذ توجد فى الهندوسية، والبوذية.

وكان أول ظهورها بين المسيحيين في مصر، وكانت في صورة حياة داخل صوامع ،تحولت فيما بعد إلى أديرة خاصة منعزلة عن المجتمع.

ظهرت الرهبنة في التاريخ الديني مرتبطة بالمسيحية، ويرجع المؤرخون السبب في ظهورها بين المسيحيين إلى أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابًا وصوامع ،وابتدعوا ذلك ، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا فيه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صومًا لم يفترض عليه لزمه أن يتمه.

كما استدل المسيحيون على شريعة الرهبنة بنصوص من العهد الجديد، إذ يكررون في هذا الصدد ما جاء في إنجيل متى على لسان عيسى عليه السلام: “……إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك ،وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني”(19 :21). وبعبارة وردت في رسالة بولس إلى العبرانيين “…… وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم: تائهين في برارى، وجبال ،ومغاير، وشقوق الأرض ، فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان….”(11:38-39).
وقد دفعت هذه الكلمات كثيرًا من المسيحيين إلى اللجوء إلى الأديرة، فأصبحت مصر مكانًا لمن ليس له وطن أو مكان يستقر فيه ،وعنده شعور داخلي يدفعه إلى الزهد في الحياة الدنيا، كما ظهرت جماعة من الزهاد المتجولين، اعتبروا أنفسهم المنقذين لمبادئ الرهبنة بكاملها.
وتدل الكتابات (التي يرجع تاريخها إلى عام 215 م) ” ” على أن رجال الدين كانوا يرون: أن في محيط الرهبنة يتثقف ويتخرج أحسن التلاميذ، ويعنون بذلك أن الرهبان هم القادرون على حمل الرسالة للآخرين ، وهم النموذج الأمثل في مجال التبشير بالمسيحية.
ويُرى أن حياة الرهبان هي النموذج الكامل لحياة المسيح وتوجد الرهبنة عند كل الطوائف المسيحية ما عدا الطائفة الإنجيلية (البروتستانت).

وفي القرآن الكريم وردت كلمة رهبانية مرة واحدة في قوله تعالى: {…… وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها…}[الحديد:27 ]، أي أنهم ابتدعوا في الدين ما لم يأمر به الله ، ثم لم يلتزموا بما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.

وفى الحديث: (إن الرهبانية لم تكتب علينا) [مسند أحمد] قال ابن الأثير: هي من رهبنة النصارى، وأصلها من الرهبة، أي الخوف: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يخصي نفسه ، ويضع السلسلة في عنقه، فنفاها النبي عن الإسلام ، ونهى المسلمين عنها. وفي الحديث (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام.) (مسند أحمد)
. أ.د/محمد شامة

ومن الجدير بالذكر أن الإسلام نهى عن مثل هذه الرهبانية ،بل أوضح أن تحقيق المقصود من الرهبانية _ وهو ابتغاء رضوان الله -يكون بما يرضي الله تعالى ،كالجهاد،وما شابهه من الأعمال الصالحة ،ومن هنا جاء النهي عن الاختصاء،وعن اعتزال النساء،وعن مواصلة الصوم، وغير ذلك،وأرشد إلى إعطاء كل ذي حق حقه ،من النفس ،والأهل ،والزوجة ،والولد،والأقارب وغيرهم،بما يتناسب مع شمولية الإسلام،وأنه دين ودولة،وعقيدة وشريعة،وجعل في الأمور الدنيوية الخالصة كجماع المرأة أوالسعي على الولد والزوجة والأبوين أجرًاجزيلاً،وثوابًا عظيمًا،إذا أحسنت النية ،وأن يعمل الإنسان لدنياه كأنه يعيش أبدًا،وأن يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا ،شريطة أن يوازن بين الأمرين،وأن يأخذ بهما معًا،بما لا يجعله مقصرًا في جانب على حساب الآخر ،إذ الدنيا مزرعة للآخرة”قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”.