لقد نشأت العلمانية في الغرب كرد فعل على موقف الكنيسة من العلم، فقد وقفت الكنيسة باسم الدين مع الجهل ضد العلم، ومع الجمود ضد الفكر ، ومع الملوك ضد الشعب. فنشأ في وجدان هذه الشعوب أنه لا خلاص لهم من هذه الويلات إلا بنبذ دين الكنيسة فكانت العلمانية .

أما في مجتمعات المسلمين، فالإسلام يبارك العلم ويؤازره، ويجعله فريضة من فرائضه. ولكن المراد بالعلم الذي هنا ما قامت عليه الأدلة القاطعة، فكم من القضايا أدخلت تحت عنوان “العلم”، وهي ليست من العلم في شيء. والعلم القطعي بهذا المفهوم لا يصطدم أبدا  مع مقررات الشريعة الثابتة .

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى- :-

انتهز بعض العلمانيين فرصة الترجمة الخاطئة لكلمة “العلمانية”، محاولين أن يجعلوها مرادفة لـ “العلمية”، وقالوا: إن العلمانية تعني استخدام العلم والعقل، موهمين بذلك ـ أو مصرحين ـ بأن الإسلام ضد العقل والعلم!

وهذه مغالطة مكشوفة، فإن البون شاسع بين العلمية والعلمانية، ونحن نقول: “نعم” للأولى، و”لا” للثانية.

“العلمية” وجهة تنتسب إلى العلم، وتحتكم إليه، في كل مجالات الحياة وشئونها، مادية وأدبية، مدنية وعسكرية، واقتصادية، وفردية واجتماعية.

“والعلميون” من الناس، هم الذين يتبنون هذه الوجهة، فيحترمون ما يقرره العلم، وينزلون على حكمه، ويكيفون حياتهم وفقا لمقتضاه. أما غيرهم، فيمضون في طريقهم، تبعا للأهواء والعواطف “الشخصية” أو “الحزبية” أو للافتراضات والأوهام، أو تقليدا لغيرهم، دون فحص ولا اختبار.

ونريد بـ “العلم” هنا، ما قامت عليه الأدلة القاطعة، فكم من القضايا أدخلت تحت عنوان “العلم”، وهي ليست من العلم في شيء.

ومن ذلك كثير من نتائج العلوم الإنسانية والاجتماعية، التي يريد بعض دارسيها أن يلبسوها ثوب العلم اليقيني، وهي ليست أكثر من استنتاجات، مبنية على مقدمات غير يقينية، قد يقبل بعضها، ويرفض بعضها، وقد ترفض كلها. ولا أدل على ذلك من اختلاف النتائج، باختلاف المدارس الفكرية، التي ينتمي إليها الباحثون، ما بين شرق وغرب، وما بين يمين ويسار، يختلف كل منهما في درجاته من يمين اليمين إلى يسار اليسار!

وما أجدر أن يطبق على هؤلاء، الذين يدعون العلمية، فيما ليس بعلمي، ما قاله الله في قوم قبلهم: (وما لهم به من علم، إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) (سورة النجم:28).

ونحن المسلمين أولى الناس باحترام “العلم”، وتبني “العلمية” في كل أمورنا، فالدين عندنا علم، والعلم عندنا دين. ولم يعرف تراثنا صراعا بين الدين والعلم، كما عرفه الغرب، الذي أدار رحى الحرب بينهما قرونا.

ومعجزة نبي الإسلام لم تكن “آية كونية”، تخضع لها الأعناق مقهورة، بل “آية علمية” تذعن لها العقول مقتنعة، وهي القرآن الكريم.

ولما طلب مشركو العرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون له آية حسية، كما كان للأنبياء من قبله، كان الرد الإلهي عليهم (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب، يتلى عليهم؟) (سورة العنكبوت:51).

وحسبنا أن أول سورة نزلت في القرآن، بدأت بقوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (سورة العلق:1).

وثاني سورة نزلت بدأت بقوله (ن، والقلم وما يسطرون) (سورة القلم:1).

والقرآن ينشئ “العقلية العلمية”، التي تعتبر التفكر عبادة، والعلم فريضة، وترى الإنسان والتاريخ والكون كله، مسرحا للنظر والتأمل (وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم، أفلا تبصرون؟) (سورة الذاريات:20،21).

(أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء؟) (سورة الأعراف:185).

(قل سيروا في الأرض، فانظروا كيف بدأ الخلق) (سورة العنكبوت:20).

(أولم يسيروا في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) (سورة الروم:9).

(أفلم يسيروا في الأرض، فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها؟ فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (سورة الحج:46).

العقلية، التي لا تقبل دعوى، بغير برهان يثبت صحتها، وإلا فدعواه مردودة عليه، كائنا ما كان (قل: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (سورة البقرة:111).

فمن ادعى النبوة،طولب بالبينة (فائت بها، إن كنت من الصادقين).

ومن دعا الناس إلى عقيدة، قيل له: (هل عندكم من سلطان بهذا، أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟) (سورة يونس:68).

ومن ادعى في الدين شيئا، ينسبه إلى الله تعالى، قيل له ولمن وافقه: (هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا؟) (سورة الأنعام:148) (نبئوني بعلم، إن كنتم صادقين) (سورة الأنعام:143).

إنها “العقلية العلمية” التي تطلب البرهان اليقيني في العقليات، وصدق التجربة في الحسيات، وصحة النقل في المرويات (ائتوني بكتاب من قبل هذا، أو إثارة من علم، إن كنتم صادقين) (سورة الأحقاف:4).

العقلية، التي ترفض الظن في مقام اليقين (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا، إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (سورة يونس:36).

وترفض أن تتبع الهوى بدل اتباع الحق، هوى النفس، أو أهواء الغير (ومن أضل ممن اتبع هواه، بغير هدى من الله) (سورة القصص:50) (ثم جعلناك على شريعة من الأمر، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (سورة الجاثية:18).

وترفض مبدأ تقليد الآباء، ولو كانوا في ضلال مبين (أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) (سورة المائدة:104).

وترفض اتباع الآخرين بغير حجة، ولو كانوا سادة القوم وكبراءهم: (وقالوا: ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا، فأضلونا السبيلا) (سورة الأحزاب:67).

وحسبنا أن القرآن نوه بالعلم، وأشاد بآثاره في عدد من قصص الأنبياء الكرام. فهو في قصة آدم، المرشح الأول لخلافة الإنسان في الأرض، وبه أثبت آدم تفوقه على الملائكة المقربين.

وهو في قصة يوسف الذي أنقذ الله به مصر وما حولها من المجاعة الماحقة، نتيجة التخطيط الاقتصادي الزراعي المحكم ـ إنتاجا وادخارا واستهلاكا ـ لمدة خمسة عشر عاما، وهو في قصة سليمان، الذي استطاع به صاحبه “الذي عنده علم من الكتاب” أن يحضر به عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام، قبل أن يرتد إليه طرفه، وهو ما لم يستطعه “عفريت من الجن”، فدل على أن قوة الإنسان بالعلم تفوق قوة الجن، على ما لهم من قدرات وإمكانات.

وفي السنة نرى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على الأوهام والخرافات، التي يعتمد عليها الكهنة والعرافون في الجو الوثني.

كما أنكر ـ بشدة ـ الاعتماد على التمائم والأحجبة ونحوها، دون أن يبحث عن الدواء المناسب له، معلنا: أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، جهله من جهله.

ونرى الرسول الكريم ينزل عن رأيه الخاص، إلى رأي الخبراء، كما في موقعة بدر، ونزوله على رأي الحباب بن المنذر.

ونراه عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إلى المدينة، يبادر بعمل “إحصاء” للمؤمنين به، ليعرف منه مدى “القوة الضاربة” لديه، فقال: “أحصوا لي عدد من يلفظ بالإسلام” فأحصوا له، فكانوا ألفا وخمسمائة رجل، كما رواه البخاري.

ونراه صلى الله عليه وسلم يعتمد نتائج التجربة في الشئون الفنية المتعلقة بشئون الدنيا، من كيفيات الزراعة والصناعة والتسليح والطب ونحوها، وفي هذا جاء الحديث الصحيح: “أنتم أعلم بأمر دنياكم”.

لم تكن هذه التعاليم القرآنية والنبوية حبرا على ورق، فقد آتت أكلها، وقامت في ظلها حضارة شامخة البنيان، وطيدة الأركان، آخت بين الإيمان والعلم، بين العقيدة والفكر، بين الشريعة والحكمة، ولم يصطدم فيها معقول صريح، بمنقول صحيح، بل قرر علماؤها أن العقل أساس النقل، فلو ألغينا العقل ما ثبت لنا نقل ولا وحي، فإن الحقائق الكبرى في الدين، إنما ثبتت بالعقل أولا، قبل أن يثبت الوحي.

فبالعقل استدللنا على وجود الله تعالى، وبالعقل استدللنا على صحة النبوة العامة، وبالعقل استدللنا على صدق نبوة محمد بخاصة، وعلى أن القرآن الذي جاء به من عند الله.

والعقيدة عندنا ـ نحن المسلمين ـ تقوم على أساس البينة والبرهان، لا على أساس التقليد للآباء، أو الطاعة للكبراء، والدعوة في الإسلام يجب أن تكون على بصيرة، وليس في الإسلام ما عرف في أديان أخرى من مثل قولهم: اعتقد، وأنت أعمى! أو أغمض عينيك ثم اتبعني!

ولهذا شحن القرآن بالأدلة على توحيد الله تعالى، وعلى صدق رسوله، وعلى إمكان البعث، وحكمة الجزاء في الآخرة وغيرها.

والشريعة في الإسلام قائمة على رعاية مصالح العباد، في المعاش والمعاد، كما يعبر فقهاؤها، وكما يدل على ذلك استقراء أحكامها في العبادات والمعاملات، وكما يؤكد ذلك تعليلات الأحكام في القرآن والحديث.

فهي شريعة “منطقية” لا تفرق بين متماثلين، ولا تسوي بين مختلفين، ولهذا كان “القياس” أصلا من أصولها المعتبرة لدى جمهرة الفقهاء المسلمين ولهذا قال أحد من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم “ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به”.

والاتجاه “العلمي” أو “العقلانية” في الإسلام، أمر واضح ثابت، اعترف به كل منصف، ممن اطلع على شيء من تعاليم الإسلام الأصيلة، في مصادرها النقية، ولو من غير المسلمين، بل من بعض من اتخذوا موقفا ضد الإسلام.

فهذا الكاتب الماركسي “مسكيم رودنسون” يقول في حديثه عن “العقيدة القرآنية”: “القرآن كتاب مقدس، تحتل فيه العقلانية مكانا جد كبير، فالله لا ينفك فيه يناقش ويقيم البراهين، بل إن أكثر ما يلفت النظر هو أن الوحي نفسه ـ هذه الظاهرة الأقل اتساما بالعقلانية في أي دين، الوحي الذي أنزله الله على مختلف الرسل عبر العصور، وعلى خاتمهم محمد ـ يعتبره القرآن هو نفسه أداة للبرهان، فهو في مناسبات عديدة يكرر لنا أن الرسل قد جاءوا “بالبينات” وهو لا يألو يتحدى معارضيه، أن يأتوا بمثله.

والقرآن ما ينفك يقدم البراهين العقلانية على القدرة الإلهية، ففي خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتوالد الحيوان، ودوران الكواكب والأفلاك، وتنوع الخيرات الحياة الحيوانية والنباتية، تنوعا رائع التطابق مع حاجات البشر، آيات لأولي الألباب (سورة آل عمران:180).

وفعل “عقل” “بمعنى ربط الأفكار بعضها ببعض .. حاكم البرهان العقلي” يتكرر في القرآن حوالي خمسين مرة، ويتكرر ثلاث عشرة مرة هذا السؤال الاستنكاري، وكأنه لازمة (أفلا تعقلون) (سورة البقرة:44).

“والكفار أولئك الذين يرفضون الاستماع إلى دعوة محمد، يوصفون بأنهم “قوم لا يعقلون”، لأنهم قاصرون عن أي جهد عقلي، يهز تقاليدهم الموروثة، وهم بهذا كالجمادات والأنعام، بل أكثر عجمة، ولذلك يكره الله هؤلاء الناس، الذين لا يريدون أن يعيدوا النظر في أسس تفكيرهم”.

“ولئن كان “يعني الله سبحانه” يرسل الآيات “الدالة” على وجوده وإرادته، وأهمها الآيات المنزلة على نبيه محمد، فلكي يفهمها الناس، ويجعلوا منها أساسا لتفكيرهم، ونرى الله يقيم البينة الفاصلة، ثم يختتم البرهان بقوله: (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) (سورة الروم:28).

ويستمر الكاتب في بيان عقلانية الإسلام، مقارنا هذه بما جاء في العهدين القديم والجديد، لليهود والمسيحيين، إلى أن يقول “في مقابلة هذا، تبدو العقلانية القرآنية صلبة، كأنها الصخر”.

ومثل هذا المناخ العقلي، الذي صنعته آيات القرآن ـ كما اعترف به الفكر الماركسي وغيره ـ يشكل أخصب بيئة لإنتاج علمي مثمر، قائم على استخدام أقصى الطاقات والمواهب البشرية.

وهذا كله يبين لنا طبيعة “المناخ” الذي هيأه الإسلام لظهور “المنهج العلمي” السليم، الذي لم يملك باحثو الغرب أن ينكروه.

يقول العلامة رينيه ميليه: “لقد جاء المسلمون جميعا في البحث بجديد: مبدأ يتفرع من الدين نفسه، هو مبدأ التأمل والبحث، وقد مالوا إلى العلوم، وبرعوا فيها، وهم الذين وضعوا أساس علم الكيمياء، وقد وجد منهم كبار الأطباء”.

يقول الدكتور فرنتورونثال: “إن أعظم نشاط فكري قام به العرب، يبدو لنا جليا في حقل المعرفة التجريبية، ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم، فإنهم كانوا يبدون نشاطا واجتهادا عجيبين، حين يلاحظون ويمحصون، وحين يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة”.

ويقول المؤرخ الفيلسوف الاجتماعي الشهير جوستاف لوبون: “إن العرب هم الذين علموا العالم، كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين”.

و”العلمية” التي ننوه بها، لا تعني مجرد السعي للحصول على التفوق العلمي، وتأكيد الاهتمام بمقررات “العلوم” وتطويرها، تأليفا وتعليما وبحثا، في المدارس والجامعات، ومراكز البحث العلمي، وتوجيه العناية إلى التطور “التكنولوجي”، الذي ينمو ويتصاعد يوما بعد يوم.

“العلمية” لا تقف عند هذا وحده، وإن كان الاهتمام بكل هذا فريضة وضرورة، والتقصير فيه منكرا وإثما مبينا في نظر الإسلام.

إنما نعني بـ “العلمية” ـ إلى جوار هذا ـ أن يسود “التفكير العلمي”، وتسود “الروح العلمية” كل علاقاتنا ومواقفنا وشؤون حياتنا، بحيث ننظر إلى الأشياء والأشخاص والأعمال، والقضايا والمواقف “نظرة علمية”، ونصدر قراراتنا الاستراتيجية والتكنيكية، في الاقتصاد والتعليم، وغيرها بعقلية علمية، وبروح علمية بعيدا عن الارتجالية، والذاتية، والانفعالية، والعاطفية، والغوغائية، والتحكمية، والتبريرية، التي تسود مناخنا اليوم، وتصبغ تصرفاتنا إلى حد بعيد، فمن سلم من أصحاب القرار من اتباع هواه الشخصي، أو هوى فئته وحزبه، كان أكبر همه اتباع ما يرضي أهواء الجماهير، لا ما يحقق مصالحها، ويؤمن مستقبلها في وطنها الصغير، ووطنها الكبير والأكبر.

و”للروح العلمية” دلائل ومظاهر أو سمات، كنت أشرت إليها، أو إلى أهمها في كتابي “الحل الإسلامي” في مجال “النقد الذاتي” للحركة الإسلامية، يحسن بي أن أذكر بها هنا، وأؤكدها في مجال تأكيد حاجة الأمة إليها لا إلى “العلمانية” المستوردة، وفي بعض الإعادة إفادة.

وللروح العلمية سمات أبرزها:

1.  النظرة الموضوعية إلى المواقف والأشياء والأقوال، بغض النظر عن الأشخاص، كما قال علي بن أبي طالب: “لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله”.

2. احترام الاختصاصات، كما قال القرآن (فاسألوا أهل الذكر) (سورة النحل:43) (فاسأل به خبيرا) (سورة الفرقان:59)، (ولا ينبئك مثل خبير) (سورة فاطر:14) فللدين أهله، وللاقتصاد أهله، وللعسكرية أهلها، ولكل فن رجاله، وخاصة في عصرنا، عصر التخصص الدقيق. أما الذي يعرف في الدين، والعلوم والفنون، والشئون الاقتصادية والعسكرية، ويفتي في كل شيء فهو في الحقيقة لا يعرف شيئا.

3. القدرة على نقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والاستفادة منه، وتقويم تجارب الماضي تقويما عادلا، بعيدا عن النظرة “المنقبية”، التي تنظر إلى الماضي على أنه كله مناقب وأمجاد!

4. استخدام أحدث الأساليب، وأقدرها على تحقيق الغاية والاستفادة من تجارب الغير، حتى في الخصوم، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها، فهو أحق الناس بها.

5. إخضاع كل شيء ـ فيما عدا المسلمات الدينية والعقلية ـ للفحص والاختبار، والرضا بالنتائج، كانت للإنسان أو عليه.

6. عدم التعجل في إصدار الأحكام والقرارات، وتبني المواقف، إلا بعد دراسة متأنية، مبينة على الاستقراء والإحصاء، وبعد حوار بناء تظهر معه المزايا، وتنكشف المآخذ والعيوب.

7. تقدير وجهات النظر الأخرى، واحترام آراء المخالفين في القضايا ذات الوجوه المتعددة، في الفقه وغيره، مادام لكل دليله ووجهته، ومادامت المسألة لم يثبت فيها نص حاسم يقطع النزاع، ومن المقرر عند علمائنا: أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية، إذ لا فضل لمجتهد على آخر، ولا يمنع هذا من الحوار البناء، والتحقيق العلمي النزيه في ظل التسامح  والحب.