الواجب تقدير الأيام والليالي والأشهر بحساب أوقات أقرب البلاد التي تتميز فيها الأوقات، ويتَّسِع كل من ليلها ونهارها لمَا فُرض من صوم وصلاة على الوجه الذي يُحقق حِكمة التكليف دون مشقَّة أو إرهاق، وبهذا تؤدى الفروض الدينية من صلاة وصوم على وجه مُحدَّد كامل لا عُسر فيه ولا إرهاق.
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت-رحمه الله-:
فرض الله على المُؤمنين خمْس صلوات في اليوم والليلة، وبيَّن الرسول ـ ﷺ ـ بقوله وفِعله أوقاتها فيها، فحدَّد الصبْح من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، وللظهر من زوال الشمس عن كبِد السماء إلى صيرورة ظلِّ كل شيءٍ مثله أو مثْليه، وللعصر من نهاية وقت الظهر إلى غروب الشمس، وللمغرب من غروب الشمس إلى غياب الشفق.
وفرض عليهم ـ أيضًا ـ صوم شهر هلاليٍّ من السَّنَة، وبيَّن أنه شهر رمضان، وقال ـ عليه السلام ـ: الشهرُ هكذا أو هكذا، بإشارةٍ تدلُّ على أنه إما ثلاثين يومًا أو تسعةً وعشرينَ يومًا، ولا ريب أن بيان أوقات الصلاة في اليوم والليلة وبيان الشهر في السنة ـ على هذا الوجه الذي عُرف، وتناقَله الناس جيلًا بعد جيل ـ إنما كان بما يُناسب حال البلاد المعتدلة التي تتجلّى أوقاتها المُحددة في اليوم والليلة، ويتجلَّى رمضانُها في السَّنة وهي القِسْم الأعظم من الكرة الأرضية، ولم يكن معروفًا للناس في وقت التشريع أن في الكرة الأرضية جهات تكون السنة فيها يومًا وليلة، نِصفها نهار ونصفها ليل، وجهات أخرى يطول نهارُها حتى لا يكون ليلها إلا جزءًا يسيرًا، ويطول ليلها حتى لا يكون نهارها إلا جزءًا يسيرًا.
فرْض يجب استبعادُه:
ولا ريب أن الجرْي في هذه الجهات على بيان الأوقات التي عُرفت للصلاة والصوم يُؤدي إلى أن يُصلى المسلم في يومه وليلته هو “سنة كاملة” خمس صلوات فقط مُوزعة على خمس أوقات من السنة كلها، ويُؤدي كذلك في بعض الجهات إلى أن تكون الصلوات المفروضة أربعًا أو أقل، على حسب طول النهار وقصره، وكذلك يُؤدي إلى أن يُكلَّف المسلم في تلك الجهات صوم رمضان ولا رمضان عنده، وفي بعضها يُؤدي إلى صوم ثلاث وعشرين ساعة من أربع وعشرين ساعة، وكل هذا تكليف تَأْبَاهُ الحِكمة من أحكم الحاكمين والرحمة من أرحم الرحماء، وإذنْ يجب استبعاد هذا الفرض.
فرض الإعفاء من الصلاة والصوم:
ويدور أمر هذه الأقاليم بعد ذلك بين فرضينِ آخرينِ لا ثالث لهما:
إما إعفاؤهم ـ كما ذهب إليه بعض الناظرينَ ـ من الصلاة والصوم؛ لعدم الوقت وعدم القدرة والإمكان، وعدم الفائدة المَرْجُوة من التكليف، وهو فيما نرى فرض يأْباهُ عموم النصوص التي جاءت بتكليف الصلاة؛ فالصوم لجميع المؤمنين دون فرق بين قُطْرٍ وقُطر.
مَواقيتهم حسب أقرب البلاد المُعتدلة إليهم:
وإذنْ، لا يبقى طريقًا لقيامهم بواجبهم الديني ـ على وجه مَقدور لهم ميْسور ومُحقق للفائدة المَرجُوة من التكليف ـ سوى أن يُقدِّروا أيامهم ولياليهم وأشهرهم بحساب أوقات أقرب البلاد المُعتدلة إليهم، أي حساب البلاد القريبة منهم، التي تتميز فيها الأوقات، ويتَّسِع كل من ليلها ونهارها لمَا فُرض من صوم وصلاة على الوجه الذي يُحقق حِكمة التكليف دون مشقَّة أو إرهاق، ولا ريب أن أهل هذه الجهات لابد أن يكونوا قد اتَّخذوا طريقًا لتقدير الأيام والأشهر فيما يختصُّ بحياتهم العامة من أعمال وعُقود.
وإذنْ فمِن السهل أن يتَّخِذُوا في تحديد أوقات عبادتهم ما عُرف في أقرب البلاد المُعتدلة إليهم. وبهذا يستطيعون أداء فروضهم الدينية من صلاة وصوم على وجه مُحدَّد كامل لا عُسر فيه ولا إرهاق: (يُرِيدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَداكُمْ ولعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).