ورد في معنى الحال المرتحل أنه الغازي الذي يخرج من معركة إلى أخرى، ولكن الأشهر أن الحال المرتحل هو من يشرع في ختم القرآن بعد أن يفرغ من ختامه.

ولهذا استحب العلماء لمن ختم القرآن الشروع في ختمة أخرى، و مشهور بين الناس حديث عبد الله بن عباس، قال: قال رجل : يا رسول الله: أي العمل أحب إلى الله، قال: الحال المرتحل، قال: وما الحال المرتحل، قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حلَّ ارتحل.
وقد رواه الترمذي في سننه والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير والدامي في سننه البيهقي في شعب الإيمان.
لكن ضعَّفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة وضعيف الجامع الصغير، على أن عادة السلف جرت على الشروع في ختم القرآن بعد الفراغ من ختمه.

حال السلف مع القرآن:

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
قد كانت للسلف عادات مخلتفة فيما يقرءون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم.

-فكان بعضهم يختم القرآن في كل شهر.

-وبعضهم في عشرين يوما، وبعضهم في عشرة أيام.

-وبعضهم أو أكثرهم في سبعة.

-وكثير منهم في ثلاثة.

-وكثير في كل يوم وليلة.

-وبعضهم في كل ليلة،

-وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات.

-وبعضهم ثمان ختمات وهو أكثر ما بلغنا.

إلى أن قال: والمختار أنه يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه ولا يعتاد إلا ماغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه وغيره، هذا إذا لم تكن له وظائف عامة أوخاصة يتعطل بإكثار القرآن عنها، فإن كانت له وظيفة عامة كولاية وتعليم ونحو ذلك فليوظف لنفسه قراءة يمكنه المحافظة عليها مع نشاطه وغيره من غير إخلال بشيء من كمال تلك الوظيفة، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف. انتهى.

صحة حديث الحال المرتحل:

يقول الدكتور الشيخ أحمد الشرباصي ـ الأستاذ بجامعة الأزهر ـ رحمه الله :
ورد هذا الحديث في كتاب “الجامع للأصول” مرويًّا عن الترمذي بسند غريب على هذه الصورة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الحالُّ الُمرتحِل قال: وما الحالُّ المرتحل؟ قال: الذي يَضرب من أول القرآن إلى آخره، كلَّما حَلَّ ارتحل. وعلَّق المؤلف على الحديث بقوله: “أي كلَّما أتمَّ القرآن أعاد تلاوته من أوله. القرآن أفضل عبادة يَتقرَّب بها العبد إلى ربه تعالى بعد الفرائض التي افترضها عليه.

وذكر ابن الأثير في كتابه “النهاية” هذا الحديث برواية أخرى قريبة، هي: أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: الحالُّ المرتحل. قيل: وما ذاك؟ قال: الخاتِم المفتتِح. ثم فسَّر ابن الأثير ذلك بقوله: “وهو الذي يَختِم القرآن بتلاوته، ثم يَفتح تلاوته من أوَّل، شبَّهَه بالمسافر يَبلُغ المَنزِل فيَحِل فيه، ثم يفتتح سَيْرَه أي يَبتدئه. وذلك قرَّاء أهل مكَّة، إذا ختموا القرآن ابتدؤوا وقرؤوا الفاتحة وخمس آيات من أوَّل سورة البقرة إلى: (أولئِكَ هُمُ المُفْلِحُون) ثم يقطعون القراءة، ويُسمُّون فاعل ذلك الحالُّ المُرتحل، أي الذي ختَم القرآن وابتدأ بأوَّله ولم يفصِل بينهما بزمَان.

وقيل: أراد بالحالِّ المرتحل الغازي الذي لا يَقفُل من غزو إلا أعقبه بآخر”. فأنت تفهم مِن هذا كله أن مُراد الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بقوله “الحالُّ المرتحل” هو القارئ للقرآن الكثير القراءة الذي يبدأ ثم يعود، ويَختتم ثم يَفتتح، وهكذا يُواصل قراءته ويُداومها، بلا فترة طويلة أو انقطاع بعيد، حتى يكون على صلة بالقرآن باقية.

أو هو الغازي المُكثر للغزو الذي لا يعود من غزوة حتى يرجع إلى مثلها، جهادًا في سبيل الحق سبحانه.

ولكنَّ المعنى الأول أشهر.