على المسلم الذي يبغي أن يتفضل الله عليه بعتق رقبته من النار في الأوقات التي يكثر فيها عفوه ومعفرته مثل ( أوقات السحر ، ويوم عرفة ، والليلة الأخيرة من شهر رمضان، وليلة النصف من شعبان على اختلاف في ذلك ) … على المسلم الذي يبغي ذلك أن يؤهل نفسه لأن يكون أهلا لرحمة الله ومغفرته، وعلى رأس ذلك تركه للذنوب المانعة من المغفرة، وعليه أن يصلح قلبه ، وينقيه مما يفسده .
يقول العلامة ابن رجب في كتابه ( لطائف المعارف ) في بيان ما ينبغي أن يكون عليه المسلم ليلة النصف من شعبان:- :
يتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة و قبول الدعاء في تلك الليلة و قد روي : أنها : الشرك، و قتل النفس، و الزنا ، و هذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم: أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله نداً و هو خلقك ، قال : ثم أي ؟ قال :أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قال: ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك . فأنزل الله تعالى ذلك : و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون الآية . و من الذنوب المانعة من المغفرة أيضاً الشحناء و هي حقد المسلم على أخيه بغضاً له لهوى نفسه و ذلك يمنع أيضاً من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة و الرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً :تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين و الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه و بين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا .
و قد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و لا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرماً من مشاحنة الأقران بعضهم بعضاً، و عن الأوزاعي أنه قال: المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة . و كذا قال ابن ثوبان : المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه و سلم الطاعن على أمته السافك دماءهم . و هذه الشحناء أعني شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين و استحلال دمائهم و أموالهم و أعراضهم كبدع الخوارج و الروافض و نحوهم .
فأفضل الأعمال: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، و أفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء و البدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة و بغضهم و الحقد عليهم و اعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم و تضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين و إرادة الخير لهم و نصيحتهم و أن يحب لهم ما يحب لنفسه .
و قد وصف الله تعالى المؤمنين عموماً بأنهم يقولون : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر : 10 ) و في المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه ثلاثة أيام: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فيطلع رجل واحد فاستضافه عبد الله بن عمرو فنام عنده ثلاثاً لينظر عمله فلم ير له في بيته كبير عمل فأخبره بالحال فقال له هو ما ترى إلا أني أبيت و ليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين فقال عبد الله : بهذا بلغ ما بلغ .
و في سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال : قيل : يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ قال : مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال : هو التقي النقي الذي لا إثم فيه و لا بغي، و لا غل و لا حسد .
قال بعض السلف : أفضل الأعمال سلامة الصدور ، و سخاوة النفوس ، و النصيحة للأمة . و بهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم و الصلاة .انتهى.
ثم قال ابن رجب:
اجتنبوا الذنوب التي تحرم العبد مغفرة مولاه الغفار في مواسم الرحمة و التوبة و الاستغفار.
أما الشرك : (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة : 72 )، و أما القتل فلو اجتمع أهل السموات و أهل الأرض على قتل رجل مسلم بغير حق لأكبهم الله جميعاً في النار . و أما الزنا فحذار حذار من التعرض لسخط الجبار ، الخلق كلهم عبيد الله و إماؤه و الله يغار لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته . فمن أجل ذلك حرم الفواحش و أمر بغض الأبصار .
و أما الشحناء فيا من أضمر لأخيه السوء و قصد له الإضرار : لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار .
يكفيك حرمان المغفرة في أوقات مغفرة الأوزار .
خاب عبد بارز المولى بأسباب المعاصي
ويحه مما جناه لم يخف يوم القصاص
يوم فيه ترعد الأقدام من شيب النواصي
لي ذنوب في ازدياد و حياة في انتقاص
فمتى أعمل ما أعلم لي فيه خلاصي