نصَّ جماعة من الفقهاء على مشروعية الحجر على من كبرت سنه وتغير عقله، لأنه لا يحسن التدبير وتصريف المال كالمجنون والمعتوه ونحوهما، وقد أمرنا الله في سورة النساء بعدم وضع المال في أيدي السفهاء قال تعالى : (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) وقد روى عبد الرزاق في مصنفه: أن ابن عباس سئل عن الشيخ الكبير الذي قد ذهب عقله أو أنكر عقله؟ فكتب إليه إذا ذهب عقله أو أنكر عقله حجر عليه.

وقد عرف الشافعية والحنابلة الحجر ـ كما ورد في الموسوعة الكويتية ـ بأنه المنع من التصرفات المالية ‏,‏ سواء أكان المنع قد شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء وعلى الراهن في المرهون لمصلحة المرتهن ‏,‏ وعلى المريض مرض الموت لحق الورثة في ثلثي ماله ‏وغيرها ‏,‏ أم شرع لمصلحة المحجور عليه كالحجر على المجنون ‏,‏ والصغير ‏,‏ والسفيه ‏.‏

وعرفه الحنفية بأنه منع من نفاذ تصرف قولي ‏-‏ لا فعلي ‏-‏ ‏‏

وعرف المالكية الحجر بأنه صفة حكمية توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته ‏,‏ أو من نفوذ تبرعه بزائد على ثلث ماله ‏.‏ ‏‏

وقد تحدث فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر ـ رحمه الله ـ عن الحجر فقال:

الحجر يعني تقيُّد التصرُّف بالنسبة إلى شخص لا يصلح للتصرف المعتاد، فقد يعرض لبعض الناس خلَلٌ في عقلهم أو تمييزهم أو إدراكهم، يؤدي إلى انحراف في سلوكهم، أو سفَهٍ في تصرفاتهم، مما يسبب أخطارًا عليهم، أو أضرارًا لغيرهم فكان من رحمة الله الرءوف الرحيم أنْ شرع نظام الحجْر؛ ليأخذ على أيدي هؤلاء، حتى يمنع شرَّهم، ويصدَّ خطرهم، فإذا ما زال عنهم الضعف أو السفَه أو الانحراف أُعِيدت إليهم حريتهم في التصرُّف كسائر العقلاء من الناس.

مشروعية الحجر:

ومن هنا نرى أن تشريع الحجْر فيه شفَقةٌ على خلق الله ـ عز وجل ـ لأن الناس متفاوتون في العقل وحُسن التصرف، ومنهم عديم العقل كالمجنون، والمعتوه ناقص العقل، والصبي الذي لا يحسن التصرُّف فكان الحجر على أمثال هؤلاء رحمة من الشريعة بهم وبغيرهم؛ لأنهم يَضرون أنفسهم وسواهم بهذه التصرفات.

من يحجر عليه:

والذين يُحجَر عليهم أصناف في طليعتهم: الصبي الصغير، والمجنون الذي لا يُفيق، والعبد المملوك، فلا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن ولِيِّه لنقصان العقل، ولا يجوز تصرف المجنون الذي غلبه الجنون إلا إذا أفاق؛ لعدم الأهلية في التصرف، ولا يجوز تصرف العبد المملوك إلا بإذن سيِّده رعايةً لحق المولى.

والصبي والمجنون لا تصح عقودهما ولا إقرارهما، ولا يقع طلاقهما ، لقول النبي ـ ـ:”كلُّ طلاقٍ واقعٌ، إلا طلاقَ الصبيِّ والمَعْتوه.
وإن أتلفَا شيئًا لزمهما ضمانه. وإذا باع الصبي أو المجنون أو العبد شيئًا، وهو يعقل البيع ويقصده، فالولي بالخيار، إن شاء أجاز ذلك، إن كانت فيه مصلحة، وإن شاء فسَخه.
ويمنع عن المجنون المال المملوك له ما دام مجنونًا.
وكذلك يمنع مال الصبي عنه ما دام لا يعقل؛ لأن وضع المال في يدِ مَن لا يعقل إتلافٌ للمال. ولا يعطى المال للصبي حتى يُؤنَس منه الرشد في التصرف، ولا بأس لوليه أن يدفع إليه شيئًا من ماله، ويأذن له بالتجارة فيها، على سبيل الاختبار، والله ـ تعالى ـ يقول:( وابْتَلُوا اليَتَامَى حتَّى إذا بَلَغُوا النِّكَاحَ فإنْ آنَسْتُمْ مِنْهمْ رُشْدًا فادْفَعُوا إليهمْ أمْوَالَهُمْ). ( النساء: 6).
فإن رأى الولي من الصبي رُشدًا في تصرُّفه، دفع إليه باقي أمواله، والرُّشْدُ: هو الاستقامة والاهتداء في حفظ المال وإصلاحه.
وإذا لم يأنس من الصبي رُشدًا منعه المال إلى أن يبلغ، فإن بلغ رشيدًا دفعه إليه، وإن بلغ سفيهًا مُفسدًا مُبَذِّرًا، فإنه يمنع عنه ماله ما دام سفيهًا لا يحسن التصرف.

ولا يصح من المجنون تصرُّفات قولية، فلا يقع منه الطلاق ولا إقرار، ولا ينعقد بيعه وشراؤه، ولا تصح منه الهِبَةُ ولا الوصية ولا الصدقة.
وكذلك بالنسبة إلى الصبي الذي لا يعقل؛ وذلك لأن أهلية التصرف شرط لجواز هذا التصرف وانعقاده شرعًا؛ ولا أهلية مع فقدان العقل.
وأما الصبي العاقل فتصحُّ منه التصرفات النافعة، ولا تصح منه التصرفات القولية الضارة التي لا خير فيها إطلاقًا، وإذا تصرف تصرفاتٍ تدور بين النفع والضرر، كالبيع والشراء والإجازة ونحوها، فإن هذه التصرفات تكون موقوفة على إجازة وليِّ الصبي، فإن أجازها نفذت، وإن ردَّها بطلتْ.
ومن الذين يُحجَر عليهم: “السفيه”. ويقال لهذا النوع من الحَجْر: “الحجر للفساد”.
والسفه خفة تعتري الإنسان فتحمله على اتباع الهوى والعمل بخلاف موجب الشرع والعقل، ويتمثل ذلك عادة في تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى العقل والشرع. وفي هذه الحالة لا يدفع إلى السفيه ماله، حتى يُؤنس منه الرشد.

ويجوز للسفيه أن يتزوج، ولا نمنعه أن يؤدي الحج المفروض عليه، ويُخرج وليه زكاته ـ أي زكاة المحجور عليه ـ من ماله، وكذلك ينفق عليه وعلى أولاده وزوجته ومَن تلزمه نفقتهم من أقاربه أو ذوي أرحامه.
وكذلك تنفذ وصيته في الطاعات والقُرُبات من ثلث ماله.
وقد استدلوا على مشروعية الحجْر على السفيه بقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: ( فإنْ كانَ الذي عليه الحقُّ سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيعُ أنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالْعَدْلِ)0 ( البقرة: 282 ). فقد جعل الله الكل من هؤلاء وليًّا، وكذلك استدلوا بقوله ـ عز من قائل ـ:( ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَكُم)0 ( النساء: 5 ). فنهى عن إعطاء المال السفهاءَ.

وعلى هذا لا يدفع إلى الغلام السفيه ماله حتى يُؤنَس منه رشده، ولو بلغ، ولا يجوز تصرفه في ماله؛ لأن علة المنع موجودة، وهى السفه، فيبقى الحجر ما بقيت العلة.
وإذا كان هناك مَدين مفلس، وطلب غُرماؤه ـ وهم أصحاب الدَّيْنِ عليه ـ أن يَحجُر القاضي عليه، استجاب لهم، إيفاءً لحق الغرماء، ودفعًا للظلم.
وعلى القاضي حين يحجر على هذا المدين المفلس أن يُبيِّن أنه قد حجر عليه في ماله احتياطًا بسبب الدَّين، ويكون الحجر هنا على مال المدين دون سائر تصرفاته الأخرى، ويمنعه القاضي من البيع والإقرار بمال حتى لا يضر بذلك الغُرَماء ( أصحاب الدين ).
وإذا كان لهذا المدين كسبٌ وزَّعه القاضي على أصحاب الديون بحسب حصصهم، لاستواء حقوقهم في قوتهم.

من يرفع الحجر؟
ويَصدُر الحجْر بقرار من القاضي، ويزول أيضًا بقرار من القاضي.