يعرف ذلك من قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ).

يقول العلامة ابن القيم :

فصل في مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها وهم ثمان عشرة طبقة نذكر منها الآتي:

الطبقة الأولى: وهي العليا على الإطلاق مرتبة الرسالة:

فأكرم الخلق على الله وأخصهم بالزلفى لديه رسله وهم المصطفون من عباده الذين سلم عليهم في العالمين كما قال تعالى: وسلام على المرسلين، وقال تعالى: سلام على نوح في العالمين، وقال تعالى: سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين، سلام على إل ياسين، وقال تعالى: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

وكلمة السلام هنا تحتمل أن تكون داخلة في حيز القول فتكون معطوفة على الجملة الخبرية وهي الحمد لله ويكون الأمر بالقول متناولا للجملتين معا وعلى هذا فيكون الوقف على الجملة الأخيرة ويكون محلها النصب محكيه بالقول ويحتمل أن تكون جملة مستأنفة مستقلة معطوفة على جملة الطلب وعلى هذا فلا محل لها من الإعراب وهذا التقدير أرجح وعليه يكون السلام من الله عليهم وهو المطابق لما تقدم من سلامه سبحانه وتعالى على رسله عليهم السلام.

وعلى التقدير الأول يكون أمر بالسلام عليهم ولكن يقال على هذا كيف يعطف الخبر على الطلب مع تنافر ما بينهما فلا يحسن أن يقال قم وذهب زيد ولا أخرج وقعد عمرو أو يجاب على هذا بأن جملة الطلب قد حكيت بجملة خبرية ومع هذا لا يمتنع العطف فيه بالخبر على الجملة الطلبية لعدم تنافر الكلام فيه وتباينه وهذا نظير قوله تعالى قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون، فقوله تعالى وما تغني الآيات ليس معطوفا علىالقول وهو نظروا بل معطوف على الجملة الكبرى على أن عطف الخبر على الطلب كثير، كقوله تعالى قل رب احكم بالحق وربنبا الرحمن المستعان على ما تصفون، وقوله تعالى وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.

والمقصود أنه على هذا القول يكون الله سبحانه وتعالى قد سلم على المصطفين من عباده والرسل أفضلهم وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه أخلصهم بخالصة ذكرى الدار وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ويكفي في فضلهم وشرفهم أن الله سبحانه وتعالى اختصهم بوحيه وجعلهم أمناء على رسالته وواسطة بينه وبين عباده وخصهم بأنواع كراماته فمنهم من اتخذه خليلا ومنهم من كلمه تكليما ومنهم من رفعه مكانا عليا على سائرهم درجات ولم يجعل لعباده وصولا إليه إلا من طريقهم ولا دخولا إلى جنته إلا خلفهم ولم يكرم أحدا منهم بكرامة إلا على أيديهم فهم أقرب الخلق إليه وسيلة وأرفعهم عنده درجة وأحبهم إليه وأكرمهم عليه وبالجملة فخير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على أيديهم وبهم عرف الله وبهم عبد وأطيع بهم حصلت محابه تعالى في الأرض وأعلاهم منزلة أولو العزم منهم المذكورون في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى وهؤلاء هم الطبقة العليا من الخلائق وعليهم تدور الشفاعة حتى يردوها إلى خاتمهم وأفضلهم.

الطبقة الثانية: من عداهم من الرسل على مراتبهم من تفضيلهم بعضهم على بعض.

الطبقة الثالثة: الذين لم يرسلوا إلى أممهم وإنما كانت لهم النبوة دون الرسالة:

فاختصوا عن الأمة بإيحاء الله إليهم وإرساله ملائكته إليهم واختصت الرسل عنهم بإرسالهم إلى الأمة بدعوتهم إلى الله بشريعته وأمره واشتركوا في الوحي ونزول الملائكة عليهم.

الطبقة الرابعة: ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم:

وهم القائمون بما بعثوا به علما وعملا ودعوة للخلق إلى الله على طرقهم ومنهاجهم وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة وهي مرتبة الصديقية ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فقال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة.

وهؤلاء هم الربانيون وهم الراسخون في العلم وهم الوسائط بين الرسول وأمته فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه وهم المضمون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

وقال الله تعالى: ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) وقيل إن الوقف على قوله تعالى هم الصديقون ثم يبتدىء والشهداء عند ربهم فيكون الكلام جملتين أخبر في إحداهما عن المؤمنين بالله ورسله أنهم هم الصديقون والإيمان التام يستلزم العلم والعمل والدعوة إلى الله بالتعليم والصبر عليه وأخبر في الثانية أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء ولهذا قدمهم عليهم في الآيتين هنا وفي سورة النساء وهكذا جاء ذكرهم مقدما على الشهداء في كلام النبي في قوله أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيد ………….