من المعلوم أن قصر الصلاة الرباعية في السفر بأدائها ركعتين ِأَمْرٌ مشروع، سواءٌ جُعِلَ ذلك رخصةً لا يضر الأخذ بها أو عزيمةً يجب الأخذ بها، قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي اْلأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنُاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الذينَ كَفَرُوا) (النساء: 100) وقد وضع الفقهاء لذلك شروطًا منها مجاوزة محل الإقامة، وذلك لتحقيق السفر الذي بُنِيَ قَصْرُ الصلاة على أساسه.
وكلهم متفقون على ذلك، مع اختلافهم في تحديد المجاوزة، هل تكون بمجاوزة سور البلد أو عمرانها أو مينائها البحري أو الجوي، أو خيام البادية. أو الملاعب والمرافق المتصلة بالبلد ولم يَقُلْ واحد من الفقهاء الأربعة بجواز قصر الصلاة عند نِيَّةِ السفر وهو يجهز أدواته في بيته، أو عند مغادرة بيته قبل أن ينفصل عن العمران، فالمسافر من بلد ما مثلاً لا يجوز له قَصْرُ الصلاة وهو منتظر في محطة القطار أو في المطار، بل ولا هو راكب القطار أو الطائرة قبل التحرك، فلابد من تحقق ما يطلق عليه العرف اسم السفر، وذلك إلى جانب الشروط الأخرى ككون السفر طويلاً وكونه مباحًا…
هذا، وقد جاء في نيل الأوطار للشوكاني “ج 3 ص 220” ما نصه:
وقد اختلف أيضًا فِيمَنْ قَصَدَ سَفَرًا يَقصر في مثله الصلاة على اختلاف الأقوال من أين يَقصر؟ فقال ابن المنذر: أجمعوا على أنَّ لِمُرِيدِ السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج من البيوت، فذهب الجمهور إلى أنه لابد من مفارقة جميع البيوت، وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو في منزله. ومنهم من قال: إذا ركب قَصَرَ إن شاء. ورَجَّحَ ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر. قال: ولا أعلم أن النبي ـ ﷺ ـ وآله وسلم قَصَرَ في سَفَرٍ من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة.