يحرم لعب الطاولة إن كانت على مال،وكذلك إذا كانت على جائزة ،والأرجح تحريمها في غير ذلك أيضًا،لأنها من اللهو الذي لافائدة منه ،وقيل بكراهتها .

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس :

الطاولة المعروفة كان يُطْلَق عليها نَرْد أو نَرْدَشير نسبة لأول ملوك الفرس الذي كان أول واضع لقواعد اللعب به، ويُقال: إن الذي وضعه سابور بن أردشير، ثاني ملوك الساسان، وشبَّه رقعتَه بالأرض، وقسَّمها أربعة أقسام تشبيهًا بالفصول الأربعة، والقِطَع التي يَتِم اللعب بها فيه تتكوَّن من ثلاثين قطعة، مع كل واحد من اللاعبين خمسة عشر.
ولا خلاف بين الفقهاء على حُرْمة اللعب به إذا كان على مال يُخرِجه الطرفان؛ لأنه يكون مُقامَرة، وهي مُحَرَّمة، ولا خلاف بين الفقهاء كذلك على حرمة اللعب به على مال يخرجه أحد الطرفين فيه؛ لأنه من اللهو الباطل الذي لا يفيد صاحبَه في العاجلة أو الآجلة، ونَقَل القرطبي اتفاقَ العلماء على حُرْمة اللعب به ولو كان على غير مال من الطرفين، ومن الأدلة الدالَّة على حُرْمة اللعب به مطلقًا ما رواه بُرَيْدة أن النبي ـ ـ قال: “مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدشير فكأنَّما صَبَغَ يدَه في لحم خنزير ودمه”.

ولحم الخنزير ودمه نجس، والمسلم مأمور بالتَّحَرُّز من النجاسات، فكان اللعب بالطاولة مُحَرَّمًا، وما رُوِيَ عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسولَ الله ـ ـ يقول: “مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدشير فقد عَصَى اللهَ ورسولَه” وهذا العصيان لا يكون إلا لمخالفة أمر مُحَرَّم، فدَلَّ الحديث على حُرْمة اللعب بالطاولة ولو كان على غير مال من الجانبين، ورَوَى عبد الرحمن الخطمي عن أبيه أنه سمع رسولَ الله ـ ـ يقول: “مَثَلُ الذي يَلعَبُ بالنَّرْد ثم يقوم فيصلي مَثَلُ الذي يتوضأ بالقَيْحِ ودمِ الخنزير، ثم يقوم فيصلي”، ولما كان لا يشرع التطهر بالقيح ودم الخنزير عند إرادة الصلاة لنجاستهما، فإن التَّلَبُّس باللعب بالنَّرْد غير مشروع كذلك.

ورُوِيَ عن كثير من الصحابة أنهم حذَّروا من اللعب بها، ومن هؤلاء عثمان ـ رضي الله عنه ـ الذي رُوِيَ عنه أنه قال على المنبر: “أيها الناس إياكم والمَيْسِر ـ يريد النَّرْد ـ فإنها قد ذُكِرَت لي أنها في بيوت ناس منكم، فمَن كانت في بيته فليحْرِقْها أو فليكسرْها” ثم قال مرة أخرى وهو على المنبر: “أيها الناس إني قد كلَّمْتُكم في هذا النَّرْد، ولم أركم أخرجتموها، ولقد هَمَمْتُ أن آمُرَ بحزم الحطَب، ثم أُرسل إلى بيوت الذين هي في بيوتهم، فأحرقها عليهم” ورُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها: “أنه بَلَغَها أن أهل بيت في دارها كانوا سكَّانًا فيها عندهم نَرْد، فأرسَلَتْ إليهم: لئن لم تُخْرِجوها لَأُخْرِجَنَّكم من داري، وأنكرتْ ذلك عليهم” ورُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنه كان إذا وَجَدَ النَّرْدَ مع أحد من أهله أمر بها فكُسِرَت وضَرَبَه، ثم أمر بها فأحْرِقت”، ورُوِيَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “اللاعبُ بالنَّرْد قِمارًا كأكل لحم الخنزير، واللاعب بها عن غير قِمار كالمُدْهِن بوَدَك الخنزير”، ورُوِيَ أن ابن الزبير خطب بمكة فقال: “يا أهل مكة بلغني أن رجالًا من قريش يلعبون لُعْبَةً يُقال لها النَّرْدشير، وإن الله ـ عز وجل ـ يقول في كتابه: (يا أيها الذين آمنوا إنَّما الخمرُ والمَيْسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ من عملِ الشيطانِ فاجْتَنِبوه لعلكم تُفْلِحون) وإني أقسم بالله ـ عز وجل ـ أني لا أُوتَى برجل لعِب بهذه إلا عاقبتُه في شعره وبشره، وأعطيت سَلَبَه مَن أتاني به.

وهذا الإنكار من الصحابة على من لعب بالطاولة ولو كان على غير مال لا يكون إلا على أمر حرَّمه الشارع، ولا يكون هذا منهم إلا عن توقيف، فالموقوف عليهم في مثل هذا يكون كالمرفوع إلى رسول الله ـ ـ لأنه لا مجالَ للرأي فيه، ولأن التَّلَهِّي باللعب به لا يفيد في العاجلة أو الآجلة، فهو من اللهو الباطل الذي حرَّمه الشارع.