الأصل في التسول واستجداء الناس وسؤالهم هو المنع، وحرمة السؤال، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا من استثناه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه حيث بيَّن صلى الله عليه وسلم من تحل له المسألة.

فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا. قَالَ ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ  وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ  فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا”.

فهؤلاء الثلاثة فقط هم الذين تحل لهم المسألة أما غيرهم فلا، والثلاثة هم من تحمل حمالة للصلح، أو من أصابت جائحة ماله، أو صاحب الفاقة والفقر المدقع.

وبإمكان المسلم أن يبحث عن المحتاجين للصدقة فيضع صدقته فيهم فتكون أحرى، وإن أعطى من يتسول وكان غنيا فصدقته مقبولة أيضا عند الله، ولكن يبوء هو بإثم التسول؛ لأنَّ التسول في حقه حرام، ويكفيه أنه يستكثر من النار قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ)

رواه أحمد وعلق عليه الشيخ شعيب الأرنؤوط بقوله : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح.

ولكن لك أيها المسلم أجر ما تصدقت به عليه ولو كان غنيًّا؛ فقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب إذا تصدق على غنيٍ وهو لا يعلم. ، قال ابن حجر في الفتح: أي فصدقته مقبولة. وأسند البخاري رحمه الله تحت هذا العنوان حديث  أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ،فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ:

أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ. وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا. وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. أهـ

وإن كان السائل فقيرا فهو من أهل الصدقة، وإن ارتبت أيها المسلم في أمره أفقير هو أم غني فبإمكانك أن تعطيه احتياطا، ولو كان قليلا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ.” رواه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني.

وبإمكانك ألا تعطيه شيئا، وأن ترده ردا جميلا فإن دعا لك بالأجر الجزيل من الله فقل له داعيا أغنانا الله وإياك من فضله العظيم مثلا.

على أن التسول مشكلة ضربت في المجتمع الإسلامي تحتاج إلى تدخل الجهات الرسمية للعمل على إزالة هذه الصورة القبيحة في مجتمعاتنا الإسلامية.