يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة:
حقيقة راعنًا في اللغة ارعنا ولنرعك فالمفاعلة من اثنين، فتكون من رعاك الله أي احفظنا ولنحفظك وارقبنا ولنرقبك. وجائز أن يكون المراد ارعنا سمعك أي فرغ لنا سمعك لسماع كلامنا.

ولما كانت المخاطبة بهذا فيها من الجفاء ما فيها مما لا يتناسب في مناجاة جلال النبوة واستشراق أنوارها، أمر المؤمنون أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها وأعذبها، ومن المعاني أرقها وأسماها وهم يناجون سيد الخلق وأكرمهم على الله جل جلاله، قال: ابن عباس رضي الله عنهما، كان المسلمون يقولون للنبي راعنا على جهة الطلب والرغبة من المراعاة أي التف إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبًا، أي اسمع لا سمعت، فاغتنموها أي اليهود، وقالوا كنا نسبه سرًا، فالآن نسبه جهرًا، فكانوا يخاطبون بها النبي ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان يعرف لغة اليهود، فقال لهم: عليكم لعنة الله لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي لأضربن عنقه، فقالوا له أو لستم تقولونها فنزلت الآية “يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنًا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم” (الآية 103 من سورة البقرة).

فنهى المؤمنون عن خطاب النبي بتلك اللفظة لئلا يتابعهم اليهود في قولها، قاصدين المعنى الفاسد لها، عداوة منهم، تملأ قلوبهم للنبي الخاتم ، وأمر المؤمنون أن يخاطبوه بالإجلال، فقال تعالى: “وقولوا انظرنا” أي أقبل علينا بتعطفك وتحنانك وانظر إلينا بتوجهاتك ونورانيتك وإرشاداتك وتهذيباتك، ثم قال تعالى: “واسمعوا” أي لما كان من نهي فانتهوا عنه، ولما كان من أمر فائتمروا به واستجيبوا له، فإن من خالف أمر الله، ولم ينته عما نهاه عنه، وعاند وجحد وكفر فله عذاب أليم، نسأل الله حسن الاستماع، وتمام الاستجابة، والتوفيق في التأدب قولاً وفعلاً وسلوكًا.