ليست صلة الرحم مقصورة على التزاور، فصلة الرحم يكفي فيها تتبع أخبار الأقارب ومعاونتهم ولو من بعيد، وليعلم المسلم أن قطع الصلة بالأقارب يجوز إذا خيف منه فساد محقق في الدين أو الدنيا.
قال المناوي في فيض القدير مبينا طرق صلة الرحم :-
قال رسول الله ﷺ : ( لا يدخل الجنة قاطع )أي قاطع رحم كما جاء مبيناً هكذا في مسلم عن سفيان ، بل وردت هذه اللفظة في الأدب المفرد للبخاري ، والمراد لا يدخل الجنة التي أعدت لوصال الأرحام ، أو لا يدخلها مع اتصافه بذلك ، بل يصفى من خبث القطيعة إما بالتعذيب أو بالعفو ، وقد ورد الحث فيما لا يحصى من الأخبار على صلة الرحم ، ولم يرد لها ضابط فالمعول على العرف ، ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة ، والواجب منها ما يعد به في العرف واصلاً وما زاد فهو تفضل ومكرمة .ومعنى الرحم والقرابة وهو من بين المسلم وبين نسب وإن لم يرث ولو لم يكن محرماً على الأصح. انتهى.
وقال الإمام النووي :-
قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.
قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة.
قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً. انتهى.
وقال الإمام المناوي في فيض القدير :-
واعلم أن مخاصمة المسلم حرام أصالة فلا يحل لمسلم أن يخاصم مسلماً : أي يترك مكالمته إلا لسبب كوصف مذموم فيه كالحمق والبدعة.
قال النووي في شرح مسلم: يجوز هجر أهل البدع والفسق دائماً. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام محله فيمن هجر لحظ نفسه ومعاش الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الهجر فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضرراً في دينه أو دنياه. ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال عمار: مخاصمة جميلة أحب إليّ من مودّة على حقد.
ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته ومن المصلحة ما جاء من هجر بعض السلف لبعض فقد هجر سعد بن أبي وقاص عمار بن ياسر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف.
وكان الثوري يتعلم من ابن أبي ليلى ثم هجره فمات ابن أبي ليلى فلم يشهد جنازته ، وهجر أحمد بن حنبل عمه وأولاده لقبولهم جائزة السلطان ، وأخرج البيهقي أن معاوية باع سقاية من نقد بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء: نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عنه فقال معاوية: لا أرى به بأساً فقال: أخبرك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتخبرني عن رأيك لا أساكنك بأرض أنت فيها أبدا . انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري :-
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.