قيل في سبب القصيدة : أن ” البوصيري ” أصيب بمرضٍ عضال ، لم ينفع معه العلاج ، وأنه كان يكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى رآه في المنام، وغطاه ببردته الشريفة ، ولما قام ” البوصيري ” من نومه : قام ، وليس به مرض ، فأنشأ قصيدته ، والله أعلم بحقيقة هذه القصة .
والقصيدة اشتملت على كفر صريح، تتابع العلماء من أهل السنة والجماعة على نقضها ، ونقدها ، وبيان ما فيها من سوء ، وكشف زيغها ومخالفتها للعقيدة الصحيحة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إطراءه فقال: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله” رواه البخاري. .
ومن أهم الأبيات التي انتقدت في القصيدة :
– يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألــوذُ به سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم
– إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفـــواً وإلا فقـــل يا زلــة القــدم
– فإن مِن جــودك الدنيا وضَرتها ومن علومــــك علم اللوح والقلم
– دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحــاً فيه واحتكم
– لو نــاسبت قــدره آياتـــه عظما أحيا اسمــه حين يدعى دارس الرمم
– فـــإن لي ذمـة منـــه بتسميتـــي محمداً وهـو أوفى الخــلق بالــذمــم

وقد دافع البعض عن صاحب القصيدة بأن مراده الشفاعة يوم القيامة، وهذا لا يخرج من المحذور، فإن الشفاعة حق يؤمن به أهل السنة، لكنها لا تكون إلا بعد إذن الله سبحانه وتعالى للشافع، ورضاه سبحانه وتعالى عن المشفوع له، كما قال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) [البقرة: 255]. وقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) [الأنبياء: 28].

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً، كما في الصحيحين أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل (وأنذرعشيرتك الأقربين) قال: ” يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا . يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا . يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا . ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا “.

والواجب على المؤمن الموحد أن لا يسأل إلا الله وحده ولا يشرك به شيئا، ولا يدعو مع الله أحد، وإذا سأل واستجار فلا يكون إلا بالله وحده.

وأيضا قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم، غلو وجهل مصادم للنصوص الصريحة المبينة أن مفاتيح الغيب عند الله تعالى، كقوله: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) [الأنعام: 59].

وقوله: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) [الأعراف: 188].

وهذا الخطاب لا يصلح إلا لله تعالى، فمن جوده الدنيا والآخرة، ومن علومه تعالى علم اللوح والقلم.

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، ولم يرد في القرآن ولا في السنة أن الله أطلعه على ما في اللوح المحفوظ، وما جرى به القلم.

فالواجب الحذر من الغلو والإطراء، ولزوم طريق الاقتصاد والتوسط..

يقول الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى-:

قال تعالى: ( قُل لا أَقولُ لَكُم عِندي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ وَلا أَقولُ لَكُم إِنّي مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يوحى إِلَيَّ ) هل يمكن لمن قرأ هذه الأية وأمثالها أن يقول إن الرسول يعلم الغيب وأن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر يعني البوصيري لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا لكنا نقول هذه المقالات كفر ومن اعتقدها فهو كافر، ونقول ذلك على سبيل العموم، ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنّب قراءة هذه المنظومة لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة فالحق مقبول ممن جاء به أيا كان والباطل مردود ممن جاء به أيا كان.