لا بأس بقراءة القرآن جماعة إذا روعيت قواعد التلاوة ولم يقع فيها لحن، وكانت قراءة كل واحد مستقلة ، بحيث يقرأ كل الآيات ولا يبني بعض الكلمات على قراءة غيره، فالجماعة في الطاعات مستحبة في ذاتها، لما فيها من تآلف القلوب، وتقوية الروابط، وقضاء الأوقات فيما يفيد، وتعليم الأميّ الذي لم يحسن التعلم وإظهار شعيرة من شعائر الله تعالى.
ولكن الجماعة في الذكر ـ ومنه قراءة القرآن ـ تكره إذا ترتب عليها محظور شرعي كالتشويش على مصلّ، أو لغو وضحك، أو تحريف للقراءة ، أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية، فحينئذ تمنع الجماعة في الذكر لهذه المفاسد لا للجماعة في ذاتها.

يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر :
فإن القرآن الكريم كتاب الله ـ تعالى ـ أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}.

وقد جعل الله تلاوته عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، وجعل كل حرف فيه بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ” لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”، وقد أثنى الله على الذين يتلون كتابه، وعلى الذين تتلى عليهم آياته، فتزيدهم إيمانًا، فقال تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، إنه غفور شكور }، وقال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون}.

كما أمر الله المؤمنين بالاستماع للقرآن، والإنصات له حتى ينالوا رحمته بذلك، فقال: {وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.

والاستماع والإنصات لا يكونان إلا إذا كان القارئ يقرأ بصوت مسموع، وقد كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حسن الصوت، ويقرأ القرآن بصوت مرتفع، فيقف أهل مكة حول داره ليسمعوا قراءته، وطلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، فقال: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري”.

والاجتماع على قراءة القرآن في بيت من بيوت الله له ثواب عظيم من الله ورحمة وسكينة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.

والاجتماع للتلاوة جماعة أو فرادى بصوت مرتفع مسموع مع المدارسة والتعليم جزاؤه ما ذكر في الحديث الشريف من سكينة القلوب، ورحمة الله، وحضور الملائكة، وذكر الله لهؤلاء المجتمعين في الملأ الأعلى مباهيًا بهم ملائكته، وهذا فضل من الله عظيم.