قراءة الفاتحة خلف الإمام اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافا كثيرا، والراجح أن المأموم إذا كان يسمع قراءة إمامه فلا يقرأ هو لا الفاتحة ولا غيرها.

وأما إذا كان لا يسمع قراءة الإمام إما لطرشه، وإما لأن الصلاة سرية فالأفضل له أن يقرأ الفاتحة وسورة في الأوليين، وليقرأ السورة التي يحب، ولا يجب عليه أن يقرأ سورة موافقة لسورة الإمام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:-

تنازع العلماء في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام حال الجهر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:-

1- ليس له أن يقرأ حال جهر الإمام إذا كان يسمع لا بالفاتحة ولا غيرها وهذا قول الجمهور من السلف والخلف وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم وأحد قولي الشافعي .

2- بل يجوز الأمران والقراءة أفضل. ويروى هذا عن الأوزاعي، وأهل الشام والليث بن سعد وهو اختيار طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم .

3- وقيل: بل القراءة واجبة وهو القول الآخر للشافعي.

وقول الجمهور هو الصحيح ؛فإن الله سبحانه قال: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }، قال الإمام أحمد:-

أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة . وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي أنه قال:{ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك} الحديث إلى آخره. وروي هذا اللفظ من حديث أبي هريرة أيضا، وذكر مسلم أنه ثابت: فقد أمر الله ورسوله بالإنصات للإمام إذا قرأ، وجعل النبي ذلك من جملة الائتمام به فمن لم ينصت له لم يكن قد ائتم به، ومعلوم أن الإمام يجهر لأجل المأموم، ولهذا يؤمن المأموم على دعائه فإذا لم يستمع لقراءته ضاع جهره، ومصلحة متابعة الإمام مقدمة على مصلحة ما يؤمر به المنفرد.

ألا ترى أنه لو أدرك الإمام في وتر من صلاته فعل كما يفعل فيتشهد عقيب الوتر ويسجد بعد التكبير إذا وجده ساجدا كل ذلك لأجل المتابعة فكيف لا يستمع لقراءته مع أنه بالاستماع يحصل له مصلحة القراءة فإن المستمع له مثل أجر القارئ.

ومما يبين هذا اتفاقهم كلهم على أنه لا يقرأ معه فيما زاد على الفاتحة إذا جهر فلولا أنه يحصل له أجر القراءة بإنصاته له لكانت قراءته لنفسه أفضل من استماعه للإمام، وإذا كان يحصل له بالإنصات أجر القارئ لم يحتج إلى قراءته فلا يكون فيها منفعة بل فيها مضرة شغلته عن الاستماع المأمور به.

وقد تنازعوا إذا لم يسمع الإمام لكون الصلاة صلاة مخافتة أو لبعد المأموم أو طرشه أو نحو ذلك:هل الأولى له أن يقرأ أو يسكت؟ والصحيح أن الأولى له أن يقرأ في هذه المواضع؛ لأنه لا يستمع قراءة يحصل له بها مقصود القراءة فإذا قرأ لنفسه حصل له أجر القراءة وإلا بقي ساكتا لا قارئا ولا مستمعا.

ومن سكت غير مستمع ولا قارئ في الصلاة لم يكن مأمورا بذلك ولا محمودا؛ بل جميع أفعال الصلاة لا بد فيها من ذكر الله تعالى: كالقراءة والتسبيح والدعاء أو الاستماع للذكر.

وإذا قيل: بأن الإمام يحمل عنه فرض القراءة فقراءته لنفسه أكمل له وأنفع له وأصلح لقلبه وأرفع له عند ربه والإنصات يؤمر به إلا حال الجهر فأما حال المخافتة فليس فيه صوت مسموع حتى ينصت له.