تقوم الحياة الزوجية على أساس من المودة والرحمة والمعروف والإحسان؛ لأن كلاً منهما أفضى إلى الآخر، وأخذ عليه ميثاقاً غليظاً. فإن استحالت العشرة بينهما لسبب أو لآخر فقد شرع الله الطلاق، رغم ما فيه من أضرار مادية ومعنوية، ورغم أنه أبغض الحلال إليه؛ لما في استمرار الحياة الزوجية عند ذلك من مضار أكبر، وقد أوصى الله ـ عز وجل ـ أن يكون الفراق عندئذ بالمعروف كما كانت العشرة بالمعروف، وذلك يكون بعدة أمور أهمها:
الأول: أن يكون الطلاق بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح المشروعة دون جدوى، ومنها الوعظ والتوجيه، والضرب الخفيف، والهجر في الفراش، وتحكيم شخصين صالحين مخلصين عدلين أحدهما من أهله والآخر من أهلها.
الثاني: أن يكون الطلاق بالطريقة المشروعة التي نبَّه عليها النبي ـ ﷺ ـ ويسميها العلماء بالطلاق السُّني، وذلك بأن يطلقها مرة واحدة؛ لأنه قد يندم، أو ينصلح حالها؛ فيراجعها ثانية، وأن يكون هذا الطلاق في طهر حتى لا يطيل عليها العدة، وحتى لا يكون نفوره منها بسبب الحالة التي تعتريها ثم يندم، وألا يكون قد جامعها في هذا الطهر حتى لا يطيل عليها العدة كذلك، وحتى لا يكون ذلك بسبب الزهد فيها.
الثالث: أن يعطيها كافة حقوقها المالية دون نزاع، ولا ينس كل من الزوجين الفضل والإحسان إلى الآخر في هذه الحقوق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن هذه الحقوق مؤخر الصداق (إن كان)، والمتعة، والنفقة عليها طوال مدة عدتها، والتعهد بالإنفاق على أولاده منها، وتهيئة المسكن المناسب لهم، والإنفاق على حاضنتهم إن كانوا صغاراً سواء أكانت هي الزوجة نفسها أو غيرها.
الرابع: كتمان كل منهما سر الآخر، وتقوى الله في الحديث عنه، وتمني الخير له. فقد صح أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، والطلاق وإن قطع رباط الزوجية فإنه لم يقطع رباط الأخوة الإيمانية.
وقد وردت الوصية من الله ـ عز وجل ـ إلى كلا الزوجين بالفضل والإحسان إلى الآخر عند إرادة المفارقة، بمعنى أن يحرص كل منهما على أن يأخذ أقل مما له، وأن يعطي أكثر مما عليه. ومن ذلك قوله ـ جل شأنه: “وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”(البقرة: آية 237) ، وقال: “وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء: آية 128).