يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
معلوم أن الزواج شركة يتعاون فيها الزّوجان على توفير الأمن والراحة والسكن لكل منهما ولمن يأتي من ذريتهما، وحتى يكون هذا التعاون نابعًا من الأعماق قوي الرسوخ في النفس ربط الله بينهما برباط وثيق هو الشهوة والعاطفة، وبخاصّة حين يُحِسّان أن ثمرة اللقاء ستكون مولودًا يُشبعان به عاطفة الأبوة والأمومة، ويقدِّمان له أعزّ ما عندهما ويستعذبان في سبيل توفير الراحة والسعادة له كل صعب وشاقّ.
وحين يبتعد أحد الزوجين عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذِّي هذا الشعور أمران أحدهما يحتاجه الجسد والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوي ألم الفراق، وربما أحدث مرضًا أو أمراضًا، وعند طلب العلاج قد يكون الزّلل إن لم يكن هناك عاصم من دين، وحصانة من أخلاق .
جاء في المأثور أنّ عمر بن الخطاب ـ رَضِيَ الله عنه ـ سمع، وهو يتفقد أحوال الرعية ليلاً، زوجة تُنشد شعرًا تشكو فيه بعد زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، ولولا تمسكها بدينها ووفاؤها لزوجها لانحرفتْ، فرقّ عمر لحالها، وقرّر لكل غائب أمدًا يعود بعده إلى أهله .
وبالرغم من ترك الغائب لأهله النفقة اللازمة، فإن عليه حقوقًا لزوجته وأولاده غير ذلك، والناس مختلفون في الشعور بأداء هذا الحق، ولئن كان عمر جعل أمد البعد أربعة أشهر في بعض الروايات فلعل ذلك كان مناسبًا للبيئة والظروف التي ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة ، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكِبار ، ويختلف من زوجة فيها دين وخلق قوي إلى من ليس عندها ذلك، والزوج هو الذي يعرف ذلك ويقدره .
وإذا كنت أنصح بتحمل بعض الآلام لمصلحة الأسرة ماديًّا فإنّي أنصح الزوج أيضًا بألاّ يتمادَى في البعد، فالسعادة النفسيّة باللقاء على فترات متقاربة لها أثرها في سعادة الأسرة .