جاءت الأحاديث النبوية تحث على عيادة المرضى دون تخصيص ، وجاءت حوادث في العصر الأول تدل على جواز عيادة المرأة للرجل المريض ، وعيادة الرجل للمرأة المريض ، وذلك في جو لا يخشى معه الفتنة .

يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :

من الآداب التي جاء بها الإسلام، وحثَّ عليها الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: عِيادة المريض. وقد اعتبرها النبي الكريم من حقوق المسلم على المسلم.
يقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “حق المسلم على المسلم سِتٌ” قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: “إذا لَقِيتَهُ فسلِّم عليه، وإذا دَعاكَ فأجبْهُ، وإذا استنصَحَكَ فانصحْ له، وإذا عَطَسَ فشمتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ” (رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة).
“فُكُّوا العاني ـ أي الأسير ـ وأجيبوا الداعي، وأطعمُوا الجائع، وعُودُوا المريض” (رواه أحمد والبخاري عن أبي موسى، كما في الصحيح الجامع الصغير).
“عُودُوا المَرضى واتَّبعوا الجنائز، تُذكِّركم الآخرة” (رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد كما في صحيح الجامع الصغير).
“مَن عاد مريضًا ناداه منادٍ من السماء: طِبْتَ وطاب مَمْشَاك، وتبوَّأتَ مِنَ الجَنَّة مَنزلاً” (رواه الترمذي وحسَّنه وابن ماجة وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة).

“إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يَزل في خُرْفَة الجَنة حتى يرجع” . قيل: يا رسول الله؛ وما خُرْفَة الجنة؟ قال: “جَنَاهَا” (رواه أحمد ومسلم واللفظ له). أي ما يُخترف ويُجتَبَى من ثَمرها.
إن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ يقول يوم القيامة: يا بن آدم مَرضتُ فلم تَعدني! قال: يا ربِّ؛ كيف أعودكَ وأنت رَبُّ العالمينَ؟! قال: أمَا علمتَ أن عبدي فلانًا مَرِضَ فلم تَعُدْهُ. أما عَلمتَ أنك لو عُدته لوجدتَنِي عنده” رواه مسلم.

ولا يَجد المرء أروع ولا أبلغ من هذا التصوير لفضل عِيادة المريض ومَثُوبته عند الله؛ حتى إن الله ـ جلَّ جلاله ـ لَيَجعل عِيادة المريض كأنما هي عيادة له.!!

وهذه الأحاديث كلها تدلُّ على أهمية هذا الأدب الإسلامي، الذي رغَّبت فيه السُّنة النبوية القولية والعملية؛ حتى إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد يَهوديًّا مريضًا، فعرض عليه الإسلام فأسلم.

ويتأكد استحباب هذا الأدب ـ الذي عدَّته بعض الأحاديث حقًّا للمسلم على المسلم ـ إذا كان بين المسلم والمسلم صِلة وثيقة، مثل القرابة والمصاهرة والجِوار والزمالة والأُستاذية، ونحو ذلك مِمَّا يَجعل لبعض الناس حقًّا أوكدَ من غيره.

والمُلاحَظ أن هذه الأحاديث جاءت بألفاظ عامَّةٍ، تَشمل الرجل والمرأة على السواء، فحديث: “عودوا المريض” أو “مَن عاد مريضًا ..” أو “إذا مرض فَعُدْهُ”؛ ليست خاصة بالرجال، بلا جدال. وهذا الأدلة العامة كافية في مشروعية عيادة النساء للرجال في ظلِّ الآداب والضوابط الشرعية المقررة.

ومع هذا هناك أدلة خاصة تدل على مشروعية عِيادة المرأة للرجل:
فقد أوردَ الإمام البخاري في كتاب المرضى من صحيحه “باب عيادة النساء للرجال” . قال: وعادت أُمُّ الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار (رواه في “الصحيح” معلَّقًا، ووصله في” الأدب المفرد).
ورَوَى عن عائشة أنها قالت: “لَمَّا قَدِمَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال ـ رضي الله عنهما ـ قالت: فدخلتُ عليهما، فقلتُ: يا أبتِ كيف تَجدكَ؟ ويا بلال كيف تَجدكَ؟“… الحديث( البخاري في كتاب المرضى، انظر فتح الباري: 12/ 221).
ومعنى “كيف تَجِدْكَ”: أي كيف تَجد نفسك، كما نَقول نحن: كيف صِحتك؟
وقد دخلت أمُّ مبشر بنت البَرَاء بن معرور الأنصارية على كعب بن مالك الأنصاري، لَمَّا حضرته الوفاة، وقالت: “يا أبا عبد الرحمن، اقرأ على ابني السلام” ـ تَعني مبشرًا …” الحديث (رواه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه)، ورواه أحمد في المسند: عن عبد الرحمن، وذكره الألباني في الصحيحة برقم 995).
فلا مانع إذنْ مِنْ أَنْ تَعُودَ المسلمة أخاها المسلم المريض، ما دامت ملتزمة بالقواعد الشرعيَّة، والآداب المرعيَّة، فلا خُلوة ولا تَبرج ولا تَعطُّر، ولا خُضوع بالقول.
والأَولَى للمسلمة أن تكون العِيادة في صورة جماعية من النساء؛ لمن كانت تنوي زيارة مريض يعمل في نفس جهة عملها،  لقضاء حق العيادة، دفعًا لأي شبهة.

وهناك أدلة خاصة أيضًا تدل على مشروعية عيادة الرجال للنساء:

فقد روى الشيخان عن عائشة قالت: دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: “لعلَّكِ أردتِ الحجَّ” ؟ قالت: والله لا أجدني إلا وَجِعَةً. فقال لها: “حُجِّي واشترطي…” (الحديث رواه البخاري في كتاب النكاح، ومسلم في كتاب الحج).
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل على أمِّ السائب ـ أو أمِّ المسيب ـ فقال: “مالك يا أمَّ السائب تُزَفْزِفِينَ ـ أي تَرْتَعِدِينَ؟” قالت: الحُمَّى لا باركَ الله فيها! فقال: “لا تَسُبِّي الحُمى، فإنها تُذهب خطايا بَني آدم، كما يُذهب الكِير خَبَثَ الحديد” (رواه مسلم في كتاب البر والصلة).
وروى أبو داود عن أمِّ العلاء قالت: عادَنِي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنا مريضة، فقال: “أبشري يا أم العلاء…” (الحديث رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب “عيادة النساء”).
وروى النسائي عن أبي أمامة قال : مَرِضَتِ امرأة من أهل العوالي ـ أي عوالي المدينة ـ فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن شيء عيادةً للمريض، فقال: “إذا ماتت فآذنوني” (رواه النسائي في كتاب الجنائز).
وروى البخاري أن ابن عباس استأذن على عائشة في مَرَضِ موتها، فأذنت له، فقال: “كيف تَجدينك” ؟ قالت: “بخير إن اتقيتُ” ! قال: “فأنتِ بخير إنْ شاء الله تعالى: زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يَنكِح بِكرًا غيرَكِ، ونزلَ عُذرك من السماء” (رواه البخاري في كتاب التفسير. .
وبعد هذه النُّقُول الصحيحة الثُّبوت، الصريحة الدلالة؛ لا يجوز لمسلم إلا النزول على هَدي الله تعالى، وهَدْي رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يَنبغي لنا أن نَحَجِّرَ ما وَسَّعَ الله ـ تعالى ـ أو نُعَسِّرَ ما يَسَّرَه ـ عزَّ وجلَّ ـ وسُنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحق أن تُتبع من أقوال الرجال، وتقاليد الناس.