الوسوسة لا يؤاخذنا الله بها رحمة منه تعالى بنا ، إلا إذا تكلمنا بها أو عملنا ، وأما قوله تعالى:( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) هذه الآية منسوخة بما بعدها . وجاء فى الحديث : ( إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم).

قال ابن كثير فى تفسير هذه الآية :
يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن وأنه المطلع على ما فيهن لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقت وخفيت وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم كما قال تعالى “قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير”.

وقال “يعلم السر وأخفى” والآيات في ذلك كثيرة جدا وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم وهو المحاسبة على ذلك ولهذا لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها وهذا من شدة إيمانهم ويقينهم.

قال الإمام أحمد: عن أبي هريره قال: لما نزلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير” اشتد ذلك على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير”.

فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير” فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا” إلى آخر الآية

ورواه مسلم عن أبي هريرة فذكر مثله ولفظه فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا” قال نعم “ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا” قال نعم “ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به” قال نعم “واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين” قال نعم .

وعن مجاهد قال: دخلت على ابن عباس فقلت يا أبا عباس كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى قال: أية آية؟ قلت “وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه” قال ابن عباس إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا يعني وقالوا يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “قولوا سمعنا وأطعنا” فقالوا سمعنا وأطعنا قال فنسختها هذه الآية “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله” إلى “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت” فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال “(انتهى)