لا ريب أن في كل إنسان عاطفة أخرى غير الحب.هي عاطفة البغض والخوف والمقت، وهي التي تفيض بالحقد والشر والحرب والدم ! فكيف ردم الدين هذا المستنقع الكريه أو إلى أي مصب وجهه؟

قال الأستاذ ” جود ” الإنجليزي رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في إحدى كليات لندن:
” إن العواطف المشتركة والتي يمكن إثارتها بسهولة هي عواطف المقت والخوف التي تُحرك جماعات كبيرة من الدهماء، بدل الرحمة والجود والكرم والحب، فالذين يريدون أن يحكموا على الشعب – لغاية ما – لا ينجحون حتى يلتمسوا له ما يكرهه، ويوجدوا له ما يخافه، وإذا أردت أن أوحد الشعوب ينبغي لي أن أخترع لهـم عدوًا على كوكب آخر – على القمر مثلا – تخافه هذه الشعوب، فلم يعد من دواعي العجب أن الحكومات القومية في هذا العصر في معاملتها لجيرانها إنما تٌقاد بعواطف المقت والخوف، فعلى تلك العواطف يعيش من يحكمونها، وعلى تلك العواطف يقوى الإنماء القومي “.
وقد عقب الداعية الإسلامي الكبير السيد أبو الحسن الندوي على ذلك فقال (صفحة 167 من كتاب ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين):
” إن هذا الحل الذي قدمه الأستاذ ” جود ” لمشكلة الأمم، ومعضلة الحروب، والمنافسات الشعوبية، حل عادل، وتوجيه معقول، فلا تنصرف عداوة الشعوب والأمم بعضها لبعض حتى يكون لها عدو من غيرها تشترك في عداوته وكرهه، والمخافة منه، وتتعاون في الحرب ضده، ولكن هذا لا يحتاج إلى اختراع وإبداع، ولا يلزم أن يوجد لها عدو على كوكب آخر كالقمر والمريخ، وأنَّى لهم التناوش من مكان بعيد، فالدين يُنبه إلى أن هذا العدو للنوع الإنساني ولذرية آدم يُوجد على الأرض نفسها، وعلى كل إنسان أن يُعاديه ويحترس منه، ويتعاون مع بني نوعه في معاداته ومحاربته. يقول القرآن: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6)… ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة: 208).

وقد قسَّم الإسلام العالم البشري إلى قسمين فقط: أولياء الله وأولياء الشيطان، أنصار الحق وأنصار الباطل، ولم يشرع حربًا ولا جهادًا إلا ضد أنصار الباطل وأولياء الشيطان أينما كانوا ومن كانوا فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء:76).. ا.هـ.
وهكذا ضاقت دائرة البُغض، وانكمشت عاطفة الكره عند المؤمن، فلم يعد يبغض لمنفعة شخصية، ولم يعد يبغض لعصبية قبلية أو قومية أو إقليمية أو طبقية، ولم يعد يبغض لحقد أو حسد، وإنما انحصر بُغضه في مجال واحد هـو البُغض في الله، أي من أجل الحق وحده، وفي ذلك يقول الحديث النبوي: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله: فقد استكمل الإيمان).