التكفير عاقبته وخيمة حذرنا منه النبي صلى عليه وسلم فقال (أيما امرئ قال لأخيه “كافر” فقد باء بها أحدهما: إن كان كما قال، وإلا رجعت إليه) رواه مسلم. فعلى المسلم أن يحذر من التساهل في النطق بهذه الكلمة وأن نشغل أنفسنا بما فيه الخير لديننا وأنفسنا وألا نقع فريسة سهلة لأعداء الله تعالى الذين يعملون على غرس بذور الشقاق والعداوة بين الجماعة المسلمة.

ما هي حقيقة الايمان ؟

يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق –رحمه الله- شيخ الأزهر السابق: الإيمان لغةً هو التصديق مُطلقًا.
وفي الشرْع: هو التصديق بالله وبرسله وبكُتبه وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء والقدَر.

قال ـ تعالى ـ: (ءَامَنَ الرسول بما أُنزل إليه مِن رَبِّهِ والمُؤمنونَ كلٌّ ءَامَنَ باللهِ ومَلائكتِهِ وكُتبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحدٍ مِن رُسُلِهِ). (مِن الآية: 285 من سورة البقرة).
والإيمان بهذا تصديقٌ قلبيٌّ بما وجب الإيمان به، وهو عقيدةٌ تملأ النفس بمعرفة الله وطاعته في دِينه، ويُؤيد هذا دعاء الرسول ـ : “اللهم ثبِّت قلبي على دِينك”. وقوله لأُسامة ـ وقد قتَل مَن قال: لا إله إلا الله ـ “هلَّا شَقَقْتَ قَلْبَهُ”. (رواه البخاري ومسلم).

ما هى حقيقة الاسلام؟

يُقال في اللغة: أسلم: دخل في دين الإسلام.
وفي الشرع: كما جاء في الحديث الشريف (رواه البخاري ومسلم) “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتَحُجَّ البيت إنْ استطعتَ إليه سبيلًا”.

فالإسلام: هو العمل بالقيام بفَرائض الله مِن النطق بالشهادتين، وأداء الفروض والانتهاء عمَّا حرَّم الله ـ سبحانه ـ ورسوله.

فالإيمان تصديق قلبيٌّ، فمَن أنكر وجحَد شيئا مما وجب الإيمان به فقد خرج من الإسلام. قال ـ تعالى ـ: (ومَن يَكْفُرُ باللهِ وملائكتِه وكُتبه ورُسلِه واليومِ الأخِرِ فقد ضلَّ ضلالًا بَعيدًا). (من الآية: 136 من سورة النساء).

أما الإسلام فهو العمل والقول، عملٌ بالجوارح ونطق باللسان، ويدلُّ على المُغايرة بينهما قول الله ـ سبحانه: (من الآية 14 من سورة الحجرات): (قالتِ الأعْرابُ ءامَنَّا قُلْ لم تُؤمنوا ولكنْ قُولوا أسْلَمْنَا ولمَّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُمْ).

وقد حدَّد هذا رسول الله ـ ـ صفات المسلم في الحديث الذي رواه البخاري في قوله: “أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحسابُهم على الله.

هذا هو المسلم، ومن ارتكب ذنبا وهو يعلم أنه مذنب معرض لغضب الله وعقابه لم يخرج من ربقة الإيمان ولم يزل عنه وصف الإسلام.

قال ـ سبحانه وتعالى ـ: (إنَّ اللهَ لا يَغفرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يَشاءُ). (من الآية 116 من سورة النساء).

فالكفر لغةً: كفر الشيء: غطَّاه وستَره.

وشرعًا: أن يجحد الإنسان شيئًا مما أوجب الله الإيمان به بعد إبلاغه إليه، وقيام الحُجة عليه.

وقد شاع الكفر في مُقابلة الإيمان؛ لأن الكفر فيه ستر الحق، بمعنى إخفائه وطمْس معالمه، ويأتي هذا اللفظ بمعنى كُفْر النعمة، وأعظمُ الكُفر جحود وحدانية الله باتخاذ شريك له و جحده نبوة رسول الله محمد ـ ـ وشريعته.
والكافر مُتعارَف فيمَن يجحد كل ذلك.

وإذا كان ذلك هو معنى الإيمان والإسلام والكُفر مُستفادًا من نصوص القرآن والسنة كان المسلم الذي ارتكب ذنْبًا، وهو يعلم أنه مُذنب عاصيًا لله ـ سبحانه وتعالى ـ مُعرِّضًا نفسه لغضبه وعِقابه، لكنه لم يخرج بما ارتكبه عن ربْقة الإيمان وحقيقته ولم يَزُل عنه وصف الإسلام وحقيقته وحقوقه.

وأيًّا كانت هذه الذنوب التي يقترفها المسلم خطأً وخطيئة، كبائر أو صغائر، فإنه لا يخرج بها عن الإسلام ولا مِن عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله ـ سبحانه ـ: (إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أنْ يُشرَكَ بهِ ويَغفر ما دُون ذلك لمَن يَشاء).

ما حكم تكفير مرتكب الكبيرة؟

ولا يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه، أو تكفير المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، قال الله ـ سبحانه ـ: (ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقَى إليكمُ السَّلَامَ لستَ مُؤمنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياةِ الدنيا فعِندَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرةٌ). (من الآية 94 من سورة النساء).

وفي حديث رسول الله ـ ـ الذي رواه أبو داود أن رسول الله ـ ـ قال: “ثلاثٌ مِن أصل الإيمان، وعَدَّ منها: الكفَّ عمَّن قال: لا إله إلا الله، لا نُكفره بذنب، ولا نُخرجه من الإسلام بعمل…”.

وما رواه الإمام أحمد أن رسول الله ـ ـ قال: “لا يرمي رجل رجلاً بالفِسْق، أو يرميه بالكُفر إلا ارتدَّت عليه إن لم يكن صاحب ذلك”.

فهذه النصوص توضح أنه لا يحلُّ تكفير مسلم بذنب اقترفه، سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعْل محرم منهيٍّ عنه، وأن مَن يُكفِّر مسلمًا، أو يصفه بالفسوق، يرتدُّ عليه هذا الوصف، إنْ لم يكن صاحبه على ما وصف.

والتدين حق للمسلمين جميعا ولكن عند النزاع يرد الأمر إلى الله ورسوله ويتولى الفصل وبيان الأحكام أهل الاختصاص وهم العلماء بالكتاب والسنة.

قال الله ـ تعالى ـ: (فإنْ تَنَازَعْتُمْ في شيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ). (من الآية: 59 من سورة النساء).

وقال ـ سبحانه ـ: (فلولَا نَفَرَ مِن كلِّ فِرْقةٍ منهم طائفةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَومَهمْ إذَا رَجَعُوا إليهمْ). (من الآية: 122 من سورة التوبة).

وقوله في سورة الأنبياء: (فَاسْئَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنتمْ لا تَعْلَمُونَ). (من الآية: 7).

وفي حديث رسول الله ـ ـ الذي رواه الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: “سمِع النبيُّ ـ ـ قومًا يتمارَوْنَ في القرآن ـ يعني يتجادلون في بعض آياته ـ فقال: إنما هلك مَن كان قبلكم بهذا، ضرَبوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يُصدِّق بعضُه بعضًا ولا يُكذب بعضُه بعضًا، فما علمتم منه فقُولوا، وما جهلتم منه فكِلُوهُ إلى عالِمِه”.

هذا هو القرآن، وهذه هي السُّنة، كلاهما يأمر بأن النزاع في أمر من أمور الدين يجب أن يُردَّ إلى الله ورسوله، وأن من يتولى الفصل، وبيان الحكم هم العلماء بالكتاب وبالسنة، فليس لمسلم أن يحكم بالكفر أو الفسق على مسلم، وهو لا يعلم ما هو الكفر ولا ما يَصير به المسلم مرتدًّا كافرًا بالإسلام، أو عاصيًا مُفارقًا لأوامر الله؛ إذ الإسلام عقيدة وشريعة له عُلماؤه الذين تخصصوا في علومه؛ تنفيذًا لأمر الله ورسوله فالتديُّن للمسلمين جميعًا، ولكن الدين وبيان أحكامه وحلاله وحرامه لأهل الاختصاص به وهم العلماء قضاءً من الله ورسوله.